كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 76
ولما أخبر تعالى عن دخولهم إلى البلد ، أخبرعن دخولهم لحاجتهم إلى يوسف عليه الصلاة والسلام فقاتل : ( ولما دخلوا ) أي بنوه عليه الصلاة والسلام ) على يوسف ( في هذه القدمة الثانية ) آوى إليه أخاه ( شقيقه بنيامين بعد أن قالوا له : هذا أخونا الذي أمرتنا به قد أحضرناه ، فقال : أصبتم ، وستجدون ذلك عندي ؛ والإيواء : ضم النفس بالتصيير إلى موضع الراحة ، وسبب إيوائه إليه أنه أمر كل اثنين منهم أن يأكلوا على حدة ، فبقي بنيامين بلا ثان ، فقال : هذا يأكل معي ، ثم قال ليا : وكل اثنين منكم في بيت من خمسة أبيات أفردها لهم ، وهذا الوحيد يكون معي في بيتي ، وهذا التفريق موافق لما أمرهم به أبوهم في تفريق الدخول ، فكأنه قيل : ماذا قال له ، هل أعلمه بنفسه أو كتم ذلك عنه كما فعل بسائر إخوته ؟ فقيل : بل ) قال ( معلماً له ، لأنه لا سبب يقتضي الكتم عنه - كما سيأتي بيانه ، مؤكداً لما للأخ من إنكاره لطول غيبته وتغير أحواله وقطع الرجاء منه : ( إني أنا أخوك ( يوسف : ثم سبب عن ذلك قوله : ( فلا تبتئس ) أي تجتلب البؤس .
وهو الكراهة والحزن ) بما كانوا ) أي سائر الإخوة ، كوناً هم راسخون فيه ) يعلمون ( مما يسوءنا وإن زعموا أنهم بنوا ذلك العمل على علم ، وقد جمعنا له خير ما يكون عليه الاجتماع ، ولا تعلمهم بشيء من ذلك ، ثم إنه ملأ لهم أوعيتهم كما أرادوا .
وكأنه في المرة الأولى أيضاً في تجهيزهم ليتعرف أخبارهم في هذه المرة من حيث لا يشعرون ، ولذلك لم يعطف بالفاء ، وأسرع في تجهيزهم في هذه المرة قصداً إلى انفراده بأخيه من غير رقيب بالحيلة التي دبرها .
فلذلك أتت الفاء في قوله : ( فلما جهزهم ) أي أعجل جهاز وأحسنه ) بجهازهم ( ويؤيده
77 ( ) فلما جاء أمرنا ( ) 7
[ هود : 66 و 82 ] في قصتي صالح ولوط عليهما الصلاة والسلام - كما مضى في سورة هود عليه الصلاة والسلام ) جعل ) أي بنفسه أو بمن أمره ) السقاية ( التي له .
وهي إناء يسقي به ) في رحل أخيه ( شقيقه ، ليحتال بذلك على إبقائه عنده مع علمه بأن البصير لا يقضي بسرقته بذلك ، مع احتمال أن يكون الصواع دس في رحله بغير علمه كما فعل ببضاعتهم في المرة الأولى ، وأما غير البصير فضرر ثبوت ذلك في ذهنه مفتقر لأنه يسير بالنسبة إلى ما يترتب عليه من النفع من ألف إخوته بيوسف عليه الصلاة والسلام وزوال وحشتهم منه بإقامته عنده - كما سيأتي مع مزيد بيان - هذا مع تحقق البراءة عن قرب ، فهو من باب ارتكاب أخف الضررين ، ثم أمهلهم حتى انطلقوا ، ثم أرسل إليهم فحبسوا ) ثم ) أي بعد انطلاقهم وإمعانهم في السير ) أذن ) أي أعلم فيهم بالنداء ) مؤذن ( قائلاً برفيع صوته وإن كانوا في غاية القرب منه - بما يدل عليه إسقاط الأداة : ( أيتها العير ) أي أهلها ، وأكد لما لهم من

الصفحة 76