كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 77
الإنكار ) إنكم لسارقون ) أي ثابت لكم ذلك لا محالة حقيقة بما فعلتم في حق يوسف عليه الصلاة والسلام ، أو مجازاً بأنكم فاعلون فعل السارق - كما سيأتي بيانه آنفاً ، مع أن هذا النداء ليس من قول يوسف عليه الصلاة والسلام ، ويحتمل أن لا يكون بأمره حتى يحتاج إلى تصحيحه ، بل يكون قائله فهم ذلك من قوله عليه السلام : صواعي مع الركب ، أو كأنهم أخذوا صواعي فاذهب فآتني به أو بهم - ونحو ذلك مما هو حق في نفسه ؛ والعير : القافلة التي فيها الأحمال ، والأصل فيها الحمير ، ثم كثر حتى أطلق على كل قافلة تشبيهاً بها ، وقد تضمنت الآية البيان عما يوجبه التلطف في بلوغ المراد من إيقاع الأسباب التي تؤدي إليه وتبعث عليه بظاهر جميل وباطن حق مما يخفى على كثير من الناس موقعه ، ويشكل عليه وجهه ، لأنه أنفذ له وأنجح للمطلوب منه ، فكأنه قيل : إن هذه لتهمة عظيمة ، فما قالوا في جوابها ؟ فقيل : ( قالوا ( في جواب الذين لحقوهم ) و ( الحال أن آل إسرائيل ) أقبلوا ( ودل - على أن الذين لحقوهم كانوا جماعة المؤذن أحدهم ، كما هو شأن ذوي الرئاسة إذا أرسلوا في مهم - بالجمع في قوله : ( عليهم ) أي على جماعة الملك : المنادي وغيره ) ماذا تفقدون ( مما يمكننا أخذه ) قالوا نفقد ( وكأن السقاية كان لها اسمان ، فعبروا هنا بقولهم : ( صواع الملك ( والصواع : الجام يشرب فيه ) ولمن جاء به ) أي أظهره ورده من غير تفتيش ولا عناء ) حمل بعير ( وهو بالكسر : قدر من المتاع مهيأ لأن يحمل على الظهر ، وأما الحمل في البطن فبالفتح ) وأنا به زعيم ) أي ضامن وكفيل أدويه إليه ، وإفراد الضمير تارة وجمعه أخرى دليل على أن القاتل واحد ، وأنه نسب إلى الكل لرضاهم به ، وفي الآية البيان عما يوجبه حال بهت الإنسان للتثبيت في الأمر وترك الإسراع إلى ما لا يجوز من القول ، فكأنه قيل : فما قال إخوة يوسف ؟ قيل : ( قالوا ( قول البريء ) تالله ) أي الملك اوعظم فأقسموا قسماً مقروناً بالتاء ، لأنها يكون فيها التعجب غالباً ، قال الرماني : لأنها لما كانت نادرة في أدوات القسم جعلت للنادر من المعاني ، والنادر من المعاني يتعجب منه ، وقال : إنها بدل من الواو ، والواو بدل من الباء ، فهي بدل من بدل ، فلذلك ضعفت عن التصريف في سائر الأسماء ، ثم أكدوا براءتهم بقولهم : ( لقد علمتم ) أي بما جربتم من أمانتنا قبل هذا في كرتي مجيئنا ) ما جئنا ( وأكدوا النفي باللام فقالوا : ( لنفسد ) أي نوقع الفساد ) وفي الأرض و ( لقد علمتم ) ما كنا ) أي بوجه من الوجوه ) سارقين ) أي موصوفين بهذا الوصف قط ، بما رأيتم من أحوالنا : من ردنا بضاعتنا التي وجدناها في رحالنا وغير ذلك مما عاينتم من شرف فعالنا مع علمنا بأنها خَلق لنا لا تصنّع يظهر لبعض الأذكياء بأدنى تأمل ، فكأنه قيل : فما قال الذين من جهة العزيز ؟