كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 81
لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّآ إِذاً لَّظَالِمُونَ ) 73
( ) 71
ولما تم ذلك ، كان كأنه قيل : إن انتزاع أخيهم منهم - بعد تلك المواثيق التي أكدوها لأبيهم - لداهية تطيش لها الحلوم ، فماذا كان فعلهم عندها ؟ فقيل : ( قالوا ( تسلية لأنفسهم ودفعاً للعار عن خاصتهم ) إن يسرق ( فلم يجزموا بسرقتهن لعلهم بأمانته ، وظنهم هذا الصواع دس في رحله وهو لا يشعر ، كما دست بضاعتهم في رحالهم وإنما أوهى ظنهم هذا سكوت أخيهم عن الاعتذار به ، على أنه قد ورد أنهم لامواه فقال لهم : وضعه في رحلي الذي وضع البضاعة في رحالهم ) فقد سرق أخ ) أي شقيق ) له ( ولما كان ما ظنوه كذلك في زمن يسير ، أدخلوا الجار فقالوا : ( من قبل ( يعنون يوسف عليه الصلاة والسلام ، وذلك أنه قيل : إن عمته كانت لا تصبر عنه ، وكان أبوه لا يسمح بمكثه عندها ، لأنه لا يصبرعنه ، فحزمته من تحت ثيابه بمنظقة أبيها إسحاق عليه السلام وكانت عندها ، ثم قالت : فقدت منطقة أبي ، فاكشفوا أهل البيت ، فوجدوها مع يوسف عليه الصلاة والسلام ، فسمح يعقوب عليه الصلاة والسلام حينئذ لها ببقائه عندها ) فأسرها ) أي إجابتهم عن هذه القولة القبيحة ) يوسف في نفسه ( على تمكنه مما يريد بهم من الانتقام .
ولما كان ربما ظن ظان أنه بكتهم بها بعد ذلك ، نفى هذا الظن بقوله تعالى : ( ولم يبدها ) أي أصلاً ) لهم ( فكأنه قيل : فما قولته التي أسرها في نفسه ؟ فقيل : ( قال أنتم شر مكاناً ) أي من يوسف وأخيه ، لأن ما نس إليهما من الشر إنما هو ظاهراً لأمر خير اقتضاه ، وأما أنتم ففعلتم بيوسف شر مقصود منكم ظاهراً وباطناً ، ونسبة الشر إلى مكانهم أعظم من نسبته إليهم ، وإنما قدم الإخبار بالإسرار مع اقترانه بالإضمار قبل الذكر ، لئلا يظن بادىء بدء أنهم سمعوا ما وصفهم به من الشر ) الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة ) أعلم بما تصفون ( منكم ، وأنه ليس كما قلتم ؛ والوصف : كلمة مشتقة من أصل من الأصول لتجري على مذكور فتفرق بينه وبين غيره بطريق النقيض كالفرق بين العالم والجاهل ونحوهما ، فكأنه قيل : إن ذلك القول على فحشه ليس مغنياً عنهم ولا عن أبيهم شيئاً ، فهل اقتصروا عليه ؟ فقيل : لا ، بل ) قالوا ( التماساً لما يغنيهم : ( ياأيها العزيز ( فخاطبوه بما يليق بالأكابر ليرق لهم ) إن له ) أي هذا الذي وجد الصواع في رحله ) أباً شيخاً كبيراً ) أي في سنه وقدره وهو مغرم به ، لا يقدر على فراقه ولا يصبر عنه ) فخذ أحدنا مكانه ( وأحسن إلى أبيه بإرساله إليه ) نا نراك ) أي نعلمك علماً هو كالرؤية أو بحسب ما رأيناه ) من المحسنين ) أي العريقين في صفة