كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 83
يوسف عليه الصلاة والسلام في اليوم الثالث ، وقال لهم : افعلوا ما آمركم به فتحيوا ، فإني أراقب الله فيكم ، إن كنتم أبرياء فليحبس أحدكم في محبسكم وانطلقوا أنتم بالميرة للجوع الذي في بيوتكم ، فأتوني بأخيكم الأصغر فأصدق قولكم ولا تموتوا ، ففعلوا كما أمرهم ، فقال كل امرىء منهم لصاحبه : حقاً إنا قد استوجبنا السجن على أخينا إذ رأينا كرب نفسه إذا كان يتضرع إلينا فلم نرحمه ولم نتراءف عليه ، فمن أجل ذلك نزلت بنا هذه البلية والشر ، فأجاب روبيل وقال لهم : ألم أقل لكم : لا تأثموا بالغلام ، فلم تقبلوا ، وهو ذا الآن نحن مطالبون بدمه .
ولم يعلموا أن يوسف يفهم كلامهم ، لأنه أوقف ترجماناً بينه وبينهم ، فتنحى عنهم فبكى ، ثم رجع إليهم يكلمهم ، ثم أخذ منهم شمعون فأوثقه تجاههم .
وأمر يوسف بملء أوعيتهم ميرة ، وأمر برد ورق كل امرىء منهم في وعائه ، وأن يزودوا زاداً للطريق ، ففعل ذلك بهم كما أمر يوسف عليه السلام ، فحملوا ميرتهم على حميرهم وانطلقوا ، ففتح بعضهم وعاءه ليلقي قضيماً لحماره في مبيتهم .
فرأى ورقه موضوعاً على طرف حمولته .
فقال لإخوته : ورقي رد إليّ وهو ذا على طرف حمولتي ، فارتجفت قلوبهم وفزعت نفوسهم ، وتعجب كل امرىء منهم ، فقالوا : ياليت شعري ما هذا الذي صنعه الله بنا فأتوا يعقوب أباهم إلى أرض كنعان ، فأخبروه بجميع ما عرض لهم وقالوا : إن الرجل سيد الأرض كلمنا بفظاظة وقساوة .
وحسبنا بمنزلة الجواسيس أتينا لنطالع الأرض ، فقلنا : إنا أبرياء عدول ، فلسنا بطلائع ، فنحن اثنا عشر أخاً بنو أب واحد ، فقد واحد منا والآخر عند أبينا يومنا هذا بأرض كنعان ، فقال لنا الرجل سيد الأرض ورئيسها : بهذا أعلم بأنكم أبرارعدول ، خفلوا عندي أحد إخوتكم ، واحملوا ميرة للجوع الذي في بيوتكم .
وانصرفوا فأتوني بأخيكم الأصغر معكم ، فأعلم حينئذ أنكم لستم بطلائع ، بل أنتم أبرياء عدول ، وآمر بدفع أخيكم إليكم ، وتتجرون في الأرض ، فبينما هم يفرغون أوعيتهم فإذا هم بصرة كل امرىء منهم على طرف وعائه فرأوا ورقهم مصرواً ففزعوا هم وأبوهم .
فقال لهم أبوهم : إنكم قد أثكلتموني ولدي وأفقدتموني إياهما ، لأن يوسف فقدته .
وشمعان محبوس ، وتنطلقون بنيامين أيضاً وقد كملت علي المصائب كلها ، فقال روبيل لأبيه : ثكلتُ ابني جميعاً إن لم آتك به ادفعه إليّ وأنا أرده إلأيك ، فقال : لا تهبط ابني معكم ، لأن أخاه يوسف توفي وهو وحده الباقي لأمه ، فتعرض له آفة في الطريق الذي تسلكونه فتنزلون شيبتي إلى الجدث بالشقاء والشحب .

الصفحة 83