كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 87
واحد إلى صاحبه في خفاء ، من النجو وهو الارتفاع عن الأرض - قاله الرماني ، أو تمحضوا تناجياً لإفاضتم فيه بجد كأنهم صورة التناجي ، فكأنه قيل : فما قالوا ؟ فقيل : ( قال كبيرهم ( في السن وهو روبيل : ( ألم تعلموا ( مقراً لهم بما يعرفونه مع قرب الزمان ليشتد توجههم في بذل الجهد في الخلاص من غضب أبيهم ) أن أباكم ) أي الشيخ الكبير الذي فجعتموه في أحب ولده إليه .
ولما كان المقام بالتقرير ومعرفة صورة الحال لتوقع ما يأتي من الكلام ، قال : ( قد اخذ عليكم ) أي قبل أن يعطيكم هذا الولد الآخر ) موثقاً ( ولما كان الله تعالى هو الذي شرعه - كما مضى - كان كأنه منه ، فقال : ( من الله ) أي إيمان الملك الأعظم : لتأتنه به إلا أن يحاط بكم ) ومن قبل ) أي قبل هذا ) ما فرطتم ) أي قصرتم بترك التقدم بما يحق لكم في ظن أبيكم أو فيما ادعيتم لأبيكم تفريطاً عظيماً ، فإن زيادة ( ما ) تدل على إرادته لذلك ) في ( ضياع ) يوسف ( فلا يصدقكم أبوكم أصلاً ، بل يضم هذه إلى تلك فيعلم بها خيانتكم قطعاً ، وأصل معنى التفريط ، : التقدم ، من قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( أنا فرطكم على الحوض ) ولما كان الموضع موضع التأسف والتفجع والتلهف ، أكده ب ( ما ) النافية لنقيض المثبت كما سلف غير مرة ، أي أن فعلكم في يوسف ما كان إلا تفريطاً لا شك فيه ) فلن أبرح ) أي أفارق هذه ) الأرض ( بسبب هذا ، وإيصاله الفعل بدون حرف دليل على أنه صار شديد الالتصاق بها ) حتى يأذن لي أبي ( في الذهاب منها ) أو يحكم الله ) أي الذي له الكمال كله ووثقنا به ) لي ( بخلاص أخي أو بالذهاب منها بوجه من الوجوه التي يعلمها ويقدر على التسبب لها ) وهو ) أي ظاهراً وباطناً ) خير الحاكمين ( إذا أراد أمراً بلغه بإحاطة علمه وشمول قدرته ، وجعله على أحسن الوجود وأتقنها ، فكأنه قيل : هذا ما رأى أن يفعل في نفسه ، فماذا رأى لإخوته ؟ فقيل : أمرهم بالرجوع ليعلموا أباهم لإمكان أن يريد القدوم إلى مصر ليرى ابنه أو يكون عنده رأي فيه فرج ، فقال : ( ارجعوا إلى أبيكم ) أي دوني ) فقولوا ) أي له متلطفين في خطابكم

الصفحة 87