كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 88
) ياأبانا ( وأكدوا مقالتكم فإنه ينكرها لكم فقولوا : ( إن ابنك ) أي شقيق يوسف عليه الصلاة والسلام الذي هو أكملنا في النبوة عندك ) سرق ( .
ولما كانوا في غاية الثقة من أن أحداً منهم لا يلم بمثل ذلك ، اشاروا إليه بقولهم : ( وما شهدنا ) أي في ذلك ) إلا بما علمنا ( ظاهراً من رؤيتنا الصواع يخرج من وعائه ؛ والشهادة : الخبر عن إحساس قول أو فعل ، وتجوز الشهادة بما أدى إليه الدليل القطعي ) وما كنا للغيب ) أي الأمر الذي غاب عنا ) حافظين ( فلعل حيلة دبرت في ذلك غاب عنا علمها كما صنع في رد بضاعتنا ) واسأل القرية ) أي أهلها وجدرانها إن كانت تنطق ) التي كنا فيها ( وهي مصر ، عما أخبرناك به يخبروك بصدقنا ، فإن الأمر قد اشتهر عندهم ) و ( اسأل ) العير ) أي أصحابها وهم قوم من كنعان جيران يعقوب عليه الصلاة والسلام ) التي أقبلنا فيها ( والسؤال : طلب الإخبار بأداته من الهمزة وهل ونحوهما ، والقرية : الأرض الجامعة لحدود فاصلة ، وأصلها من قريت الماء ، أي جمعته ، وسيأتي شرح لفظها آخر السورة ، والعير : قافلة الحمير ، من العير - بالفتح ، وهو الحمار ، هذا الأصل - كما تقدم ثم كثر حتى استعمل في غير الحمير .
ولما كان ذلك جديراً بالإنكار لما يتحقق من كرم أخيهم ، أكدوه بقولهم : ( وإنا ) أي والله ) لصادقون ( فكأنه قيل : فرجعوا إلى أبيهم وقالوا ما قال لهم كبيرهم ، فكأنه قيلك فما قال لهم ؟ فقيل : ( قال بل ) أي ليس الأمر كذلك ، لم تصح نسبة ابني إلى السرقة ظاهراً ولا باطناً ، أي لم يأخذ شيئاً من صاحبه في خفاء بل ) سولت ) أي زينت تزييناً فيه غي ) لكم أنفسكم أمراً ) أي حدثتكم بأمر ترتب عليه ذلك ، والأمر : الشيء الذي من شأنه أن تأمر النفس به ، وكلا الأمرين صحيح ، أما النفي فواضح ، لأن بنيامين لم يسرق الصواع ولا همّ بذلك ، ولذلك لم ينسبه يوسف عليه الصلاة والسلام ولا مناديه إلى ذلك بمفرده ، وأما الإثبات فأوضح ، لأنه لولا فعلهم بيوسف عليه الصلاة والسلام لما سولت لهم فيه أنفسهم لم يقع هذا الأمر لبنيامين عليه السلام ) فصبر جميل ( مني ، لأن ظني في الله جميل ، وفي قوله : ( عسى الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) أن يأتيني بهم ) أي بيوسف وشقيقه بنيامين وروبيل ) جميعاً ( ما يدل الفطن على أنه تفرس أن هذه الأفعال نشأت عن يوسف عليه الصاة والسلام ، وأن الأمر إلى سلامة واجتماع ؛ ثم علل ذلك بقوله : ( إنه هو ) أي وحده ) العليم ) أي البليغ العلم بما خفي علينا من ذلك ، فيعلم أسبابه الموصلة إلى المقاصد ) الحكيم ) أي البليغ في إحكام الأمور في ترتيب الأسباب بحيث لا يقدر أحد على نقض ما أبرمه منها ، وترتيب الوصفين على غاية الإحكام - كما ترى - لأن الحال داع إلى العلم بما

الصفحة 88