كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)

صفحة رقم 92
واوياً : تاف بصره يتوف : تاه - كأنه لسلب الشدة أو المعنى أنه وقع في توقة ، أي شدة ، وما فيه توفة - بالضم - ولا تافة : عيب أو مزيد أو حاجة وأبطأ وكل ذلك يدل على شدته ، وطلب علي توفة بالفتح ، : عثرة وذنباً - من ذلك لأن العثرة والذنب لا يصيبان شيئاً إلا عن شدتهما وضعفه ؛ ومن مقلوبه مهموزاً : الأفت - بالفتح : النافة التي عندها من الصبر والبقاء ما ليس عند غيرها ، والسريع الذي يغلب الإبل على السير ، والكريم من الإبل - ويكسر - والداهية والعجب ، وكل ذلك واضح في القوة ، والإفت - بالكسر : الأول - لأنه أصل كل معدود ، وأفته عن كذا : صرفه .
ولما أخبرهم عليه السلام أن علمه فوق علمهم ، أتبعه اشتئنافاً ما يدل عليه فقال : ( يابني اذهبوا ( ثم سبب عن هذا الذهاب وعقب به قوله : ( فتحسسوا ) أي بجميع جهدكم ) من يوسف وأخيه ) أي اطلبوا من أخبارهم بحواسكم لعلكم تظفرون بهما ، وهذا يؤكد ما تقدم من احتمال ظنه أن فاعل ذلك يوسف - عليهم الصلاة والسلام .
ولما لم يكن عندهم من العلم ما عنده ، قال : ( ولا تيأسوا ) أي تقنطوا ) من روح الله ) أي الذي له الكمال كله ؛ والروح - قال الرماني - يقع بريح تلذ ، وكأن هذا أصله فالمراد : من رحمته وفرجه وتيسره ولطفه في جمع الشتات وتيسير المراد ؛ ثم علل هذا النهي بقوله : ( إنه لا يبأس ) أي لا يقنط ) من روح الله ) أي الذي له جميع صفات الجلال والإكرام ) إلا القوم ) أي الذين لهم قوة المحاولة ) الكافرون ) أي العريقون في الكفر ، فأجابوه إلى ما أراد ، قتوجهوا إلى مصر لذلك ولقصد الميرة لما كان اشتد بهم من القحط ، وقصدوا العزيز ؛ وقوله : ( فلما دخلوا عليه ( بالفاء يدل على أنهم أسرعوا الكرة في هذه المرة ) قالوا ( منادين بالأداة التي تنبه على أن ما بعدها له وقع عظيم ) يا أيها العزيز ( .
ولما تلطفوا تعظيمه ، ترققوا بقولهم : ( مسنا ) أي أيتها العصابة التي تراها ) وأهلنا ) أي الذين تركناهم في بلادنا ) الضر ) أي لابسنا ملابسة نحسها ) وجئنا ببضاعة مزجاة ) أي تافهة غير مرغوب فيها بوجه ، ثم سببوا عن هذا الاعتراف - لأنه أقرب إلى رحمة أهل الكرم - قولهم : ( فأوف لنا ) أي شفقة علينا بسبب ضعفنا ) الكيل وتصدق ) أي تفضيل ) علينا ( زيادة على الوفاء كما عودتنا بفضل ترجو ثوابه .
ولما رأوا أفعاله تدل على تمسكه بدين الله ، عللوا ذلك بقولهم : ( إن الله ) أي الذي له الكمال كله ) يجزي المتصدقين ) أي مطلقاً وإن أظهرت - بما أفاد الإظهار - وإن كانت على غنى قوي ، فكيف إذا كانت على أهل الحاجة والضعف .

الصفحة 92