كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 97
حياة يوسف ؛ قال الرماني : و الضلال : الذهاب عن جهة الصواب .
فصحح الله قوله وحقق وجدانه ، وعجلوا إليه بشيراً فأسرع بعد الفصول ، ولذلك عبر بالفاء في ) فلما ( وزيدت ) أن ( لتأكيد مجيئه على تلك الحال وزيادتها قياس مطرد ) جاء البشير ( وهو يهوذا بذلك ، معه القميص ) ألقاه ) أي القميص حين وصل إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام من غير فاصل ما بين أول المجيء وبينه كما أفادته زيادة ( أن ) لتأكيد ما تفيده ( لما ) من وقوع الفصل الثاني وهو هنا الإلقاء عقب الأول وترتبه عليه وهو هنا المجيء ) على وجهه ) أي يعقوب عليه الصلاة والسلام ) فارتد ( من حينه ) بصيراً ( والارتداد : انقلاب الشيء إلى حال كان عليها ، فالتفت الخاطر إلى حاله مع فنده ، فأخبر تعالى عن ذلك بقوله مستأنفاً : ( قال ) أي يعقوب عليه الصلاة والسلام ) ألم أقل لكم ( : إني أجد ريحه ؛ ثم علل هذا التقرير بقوله مؤكداً لأن قولهم قول من ينكر : ( إني أعلم من الله ) أي المختص بصفات الكمال ) ما لا تعلمون ( لما خصني به تعالى من أنواع المواهب ، وهو عام لأخبار يوسف عليه الصلاة والسلام وغيرها ، وهو من الحديث بنعمة الله .
ولما كان ذلك تشوفت النفس إلى علم ما يقع بينه وبين أولاده في ذلك ، فدفع عنها هذا العناء بقوله : ( قالوا ياأبانا ( منادين بالأداة التي تدل على الاهتمام العظيم بما بعدها لما له من عظيم الوقع : ( استغفر ) أي اطلب من الله أن يغفر ) لنا ذنوبنا ( ورد كل ضمير من هذه الضمائر إلى صاحبه في غاية الوضوح ، فلذلك لم يصرح بصاحبه .
ولما سألوه الاستغفار لذنوبهم ، عللوه بالاعتراف بالذنب ، لأن الاعتراف شرط التوبة - كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ( إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ) فقالوا مؤكدين تحقيقاً للإخلاص في التوبة : ( إنا كنا خاطئين ) أي متعمدين للإثم بما ارتكبنا في أمر يوسف علية الصلاة والسلام ؛ ثم حكى جوابه بقوله مستأنفاً : ( قال ) أي أبوهم عليه السلام مؤكداً لكلامه : ( سوف أستغفر ) أي أطلب أن يغفر ) لكم ربي ) أي الذي لم يزل يحسن إليّ ويربيني أحسن تربية ، فهو الجدير بأن يغفر لبني حتى لا يفرق بيني وبينهم في دار البقاء ؛ والربوبية : ملك هو أتم الملك على الإطلاق ، وهو ملك الله تعالى لإنشاء الأنفس باختراعها وتصريفها أتم التصريف من الإيجاد والإعدام والتقليب من حال إلى حال في جميع الأمور من غير تعب ؛ ثم علل ذلك بقوله : ( إنه هو ) أي وحده ) الغفور الرحيم ( كل ذلك تسكيناً لقلوبهم وتصحيحاً لرجائهم ليقوى أملهم ، فيكون تعالى عند طنهم بتحقيق الإجابة وتنجيزاً لطلبه ؛ ولعله عبرب ( سوف ) لتقديم هاتين الجملتين على المسألة لما ذكرته من الأغراض ، وقيل : لأنه أخر الدعاء إلى صلاة