كتاب نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور - العلمية (اسم الجزء: 4)
صفحة رقم 99
بشرتني به من إتمام النعمة ، وتعدية ) أحسن ( بالباء أدل على القرب من المحسن من التعدية ب ( إلى ) وعبر بقوله : ( إذا أخرجني من السجن ( معرضاً عن لفظ ( الجب ) حذراً من إيحاش إخوته مع أن اللفظ يحتمله احتمالاً خفياً ) وجاء بكم ( وقيل : إنهم كانوا أهل عمد وأصحاب مواش ، ينتقلون في المياه والمناجعن فلذلك قال : ( من البدو ( من أطراف بادية فلسطين ، وذلك من أكبر النعم كما ورد في الحديث ( من يرد الله به خيراً ينقله من البادية إلى الحاضرة ) والبدو : بسيط من الأرض يرى فيه الشخص من بعيد ، وأصله من الظهور ، وأنس إخوته أيضاً بقوله مثبتاً الجار لأن مجيئهم في بعض أزمان البعد : ( من بعد أن نزغ ( عبر بالماضي ليفهم أنه انقضى ) الشيطان ) أي أفسد البعيد المحترق بوسوسته التي هي كالنخس ) بيني وبين إخوتي ( حيث قسم النزع بينه وبينهم ولم يفضل أحداً من الفريقين فيه ، ولم يثبت الجار إشارة إلى عموم الإفساد للبنين ، كل ذلك إشارة إلى تحقق ما بشر به يعقوب عليه الصلاة والسلام من إتمام النعمة وكمال العلم والحكمة ؛ ثم علل الإحسان إليهم أجمعين بقوله : ( إن ربي ) أي المحسن إليّ على وجوه فيها خفاء ) لطيف ( - أي يعلم دقائق المصالح وغوامضها ، ثم يسلك - في إيصالها إلى المستصلح - سبيل الرفق دون العنف ، فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف في الإدراك فهو اللطيف - قاله الرازي في اللوامع .
وهو سبحانه فاعل اللطف في تدبيره ورحمته ) لما يشاء ( لا يعسرعليه أمر ؛ ثم علل هذه العلة بقوله : ( إنه هو ) أي وحده ) العليم ) أي البليغ العلم للدقائق والجلائل ) الحكيم ) أي البليغ الإتقان لما يصنعه طبق ما ختم به يعقوب عليه الصلاة والسلام بشراه في أول السورة ، أي هو منفرد بالاتصاف بذلك لا يداينه أحد في علم ليعترض إلى أبطال ما يقيمه من الأسباب ، ولا في حكمه ليتوقع الخلل في شيء منها .
يوسف : ( 101 ) رب قد آتيتني. .. . .
) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ( ( )
ولما ذكر هاتين الصفتين ، تذكر ما وقع له بهما من الأسباب ، فغلب عليه مقام الشهود وازدادت نفسه عن الدنيا عزوفاًن فقال مخاطباً : ( رب قد آتيتني ( وافتتح ب ( قد ) لأن الحال حال توقع السامع لشرح مآل الرؤيا ) من الملك ) أي بعضه بعد بعدي منه جداً ، وهو معنى روحه تمام القدرة ) وعلمتني ( وقصر دعواه تواضعاً بالإتيان بالجار فقال : ( من تأويل الأحاديث ( طبق ما بشرني به أبي وأخبرت به أنت من التمكين والتعليم قبل قولك ، والله غالب على أمره ؛ ثم ناداه بوصف جامع للعلم والحكمة فقال : ( فاطر السماوات والأرض ( ثم أعلمه بما هو أعلم من منه من أنه لا يعول على غيره في