كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج (اسم الجزء: 4)
(يؤتُونَ مَا آتَوْا) فإن معناه يعطون ما أَعْطَوْا وهم يخافون ألا يَتقبل منهم. قلوبُهم خائفة لأنهم إلى رَبِّهم رَاجِعُونَ، أي لأنهم يوقنون بأنهم راجعون إلى اللَّه - عز وجل -.
ومن قرأ (يأتون ما أَتَوْا) أي يعملون من الخيرات مَا يَعْمَلُونَ وقلوبُهم
خَائِفة.
يخافون أن يكونوا مع اجتهادهم مقصرين.
* * *
(أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)
وجائز يُسْرِعُونَ في الخيرات، ومعناه معنى يسارعون.
يقال أسْرَعت، وسَارَعْتُ في معنى واحدٍ، إلا أن سارعت أبلغ من أَسْرَعْتُ.
وقوله: (وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ).
فيهِ وجهانِ أحدهما معناه إليها سابقون، كما قال: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا)
أي أَوحَى إليها.
ويجوز: (وَهُمْ لها سابِقُونَ) أي من أجل اكتسابها، كما تقول: أَنَا أُكْرِمُ فُلَانَاً لك، أي مِنْ أَجْلِكَ.
* * *
وقوله: (وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)
ويجوز: ولا يُكلِّفُ نفساً إلا وُسْعَها، ولم يقرأ بها ولو قرئ بها لكانت
النون أجود - لقوله عزَّ وجلَّ: (وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ).
* * *
وقوله: (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)
يجوز أن يكون " هَذَا " إشارةً إلى ما وصف من أعمالِ البِرِّ في قوله:
(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) - إلى قوله (يُسَارِعُونَ في الخيرات).
أي قُلُوبُ هؤلاء في عَمَايةٍ من هذا، ويجوز أن يكون " هذا " إشارةً إلى
الصفحة 17
462