كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج (اسم الجزء: 4)
وقوله: (قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)
معنى (اخْسَئُوا) تباعَدوا تَبَاعدَ سُخْطٍ.
يقال خَسَأتُ الكلْبُ أَخْسُؤهُ إذا زجَرْته ليتباعَدَ.
* * *
وقوله: (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)
الأجود إدْغام الدال في التاء لِقُرْب المَخْرَجَيْن، وإن شئت أظهرت.
لأن الدال من كلمة والتاءَ مِنْ كلمة، والدال بينها وبين التاء في المخرجِ شيء
مِنَ التَبَاعِد، وليست الذال من التاء بمنزلة الدال من التاء.
والتاءُ والطَاءُ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ، وهي من أصُولِ الثنايَا العُلَا وطرف اللسَانِ. والذال من أطراف الثنايا العُلَا وَدُوينَ طَرَفِ اللسَانِ.
وقوله: (سِخْرِيًّا). يقرأ بِالضم والكَسْر، وكلاهما جَيِّد، إلا أنهمْ قالوا إن
بعض أهل اللغة قال: ما كان من الاستهزاء فهو بالكسر، وَمَا كان من جهة
التسخير فهو بالضم، وكلاهما عند سيبويه والخليل وَاحِد، والكسر لإتباع
الكسر أحسن (1).
وقوله: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)
الكسر أجود لأن الكسر على معنى إني جَزَيْتهمْ بِمَا صَبروا، ثم أَخْبَر
فقال: إنهم همُ الفَائِزُونَ: والفتح جيِّدٌ بالغ، على معنى: (إني جَزَيتُهم لأنهم
هم الفائزون، وفيه وجه آخر: يكون المعنى جزيتهم الفوز، لأن معنى
(أنَّهُم هم الفَائِزُونَ). فوزُهُمْ، فيكون المعنى جزيتهم فَوزَهُمْ.
* * *
وقوله: (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112)
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {سِخْرِيَّاً}: مفعولٌ ثانٍ للاتخاذ. وقرأ الأخَوان ونافعٌ هنا وفي (ص) بكسرِ السين. والباقون بضمِّها في المؤمنين. واختلف الناس في معناهما. فقيل: هما بمعنىً واحدٍ، وهو قولُ الخليلِ وسيبويه والكسائي وأبي زيد. وقال يونس: «إن أُرِيْدَ الخِدْمَةُ والسُّخْرة فالضمُّ لا غيرُ. وإنْ أريدَ الهُزْءُ فالضمُّ والكسر. ورجَّح أبو عليٍ وتبعه مكي قراءةَ الكسرِ قالا: لأنَّ ما بعدها أليقُ لها لقولِه: {وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ}. قلت: ولا حجةَ فيه لأنَّهم جمعوا بين الأمرَيْن: سَخَّروهم في العمل، وسَخِروا منهم استهزاءً. والسُّخْرَة بالتاء: الاستخدام، و» سُخْرِيَّاً «بالضمِّ منها، والسُّخْرُ بدونها: الهزء، والمكسورُ منه. قال الأعشى:
3431 إنِّي أتاني حديثٌ لا أُسَرُّ به. . . مِنْ عَلْوَ لا كَذِبٌ فيه ولا سُخْرُ
ولم يَختلف السبعةُ في ضَمِّ ما في الزخرف؛ لأنَّ المرادَ الاستخدامُ وهو يُقَوِّي قولَ مَنْ فَرَّق بينهما. إلاَّ أنَّ ابنَ محيصن وابن مسلم وأصحابَ عبدِ الله كسروه أيضاً، وهي مُقَوِّيَةٌ لقولِ مَنْ جعلهما بمعنى.
والياءُ في» سِخريَّاً «و» سُخْريَّاً «للنسبِ زِيْدَتْ للدلالةِ على قوةِ الفعل، فالسُّخْرِيُّ أقوى من السُّخْر، كما قيل في الخصوص: خصوصيَّة، دلالةً على قوةِ ذلك، قال معناه الزمخشري. اهـ (الدُّرُّ المصُون).
الصفحة 24
462