كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج (اسم الجزء: 4)

(لكما)، والذي فسَّرْنَاهُ أولاً يَتَضَمّنُ أمر عائشة وَصَفْوانُ والنبي - صلى الله عليه وسلم - وكل من بينه وبين عائشةَ سَبَبٌ، ويجوز أَن يكون لكُلِ مَنْ رُمِيَ بِسَبَبٍ.
* * *

وقوله تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)
معناه هَلَّا إذْ سِمعتُموه، لِأن المعنى ظَن المؤمنُونَ بِأنْفُسِهِمْ، في موضع
الكنايَةِ عَنْهُمْ وعن بَعْضِهِمْ، وكذلك يقال للقوم - الذين يَقْتُل بَعْضُهُمْ بعضاً أَنَّهُمْ يَقْتُلونَ أَنْفُسَهُمْ.
(وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)، أي كذِبٌ بَيِّنٌ.
* * *

وقوله عزَّ وجلَّ: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)
وَقُرِئَتْ: وَلاَ يَتَأَلَّ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ (1).
وَمَعْنَى تَأتَلِي تَحْلِفُ وكذلك يَتَأَلَّى يحلف.
ومعنى (أَنْ يُؤْتُوا) أنْ لاَ يُؤتُوا (أُولِي الْقُرْبَى)، المعنى ولا يحلف
أولو الفضل منكم والسَّعَةِ أنْ لَا يُعْطوا (أُولِي الْقُرْبَى والمَسَاكِينَ).
ونزلت هذه الآية في أبي بكر الصِّدِّيقِ، وكان حلف أَنْ لاَ يُفْضِل
على مِسْطًح بن أُثَاثَة، وكان ابنَ خَالَتِهِ بِسَبَبِ سَبِّهِ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَلَما نَزَلَتْ: (أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ).
قال أبُو بكر: بَلَى، وَأَعَاد الإِفْضَالَ عَلَى مِسْطَح وعلى مَنْ حَلَفَ أن لاَ
يُفْضِلَ عَليْه وَكَفَّرَ عن يمينه.
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {وَلاَ يَأْتَلِ}: يجوزُ أَنْ يكونَ يَفْتَعِلُ مِن الأَلِيَّة وهي الحَلْف كقوله:
3437. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ
ونَصَرَ الزمخشري هذا بقراءة الحسن «ولا يَتَأَلَّ» من الأَلِيَّة كقوله: «مَنْ تألَّ على اللهِ يُكَذِّبْه». ويجوزَ أَنْ يكونَ يَفْتَعِلُ مِنْ أَلَوْتُ أي قَصَّرْتُ كقوله تعالى: {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران: 118] قال:
3438 وما المرءُ ما دامَتْ حُشاشةُ نَفْسِه. . . بمُدْرِكِ أَطْراف الخُطوب ولا آلِ
وقال أبو البقاء: وقُرِىء «ولا يَتَأَلَّ» على يَتَفَعَّل وهو من الأَلِيَّة أيضاً «.
قلت: ومنه:
3439 تَأَلَّى ابنُ أَوْسٍ حَلْفَةً لِيَرُدَّني. . . إلى نِسْوةٍ كأنَّهنَّ مَفائِدُ
قوله: {أَن يؤتوا} هو على إسقاطِ الجارِّ، وتقديرُه على القول الأولِ، ولا يَأْتَلِ أُولوو الفَضْلِ على أَنْ لا يُحِسنوا. وعلى الثاني: ولا يُقَصِّر أُولو الفَضْل في أَنْ يُحِسنوا. وقرأ أبو حيوة وأبو البرهسم وابن قطيب» تُؤْتُوا «بتاء الخطاب. وهو التفاتُ موافِقٌ لقولِه:» ألا تُحِبون «. وقرأ الحسن وسفيان بن الحسين: وَلْتَعْفُوا وَلْتَصْفَحُوا، بالخطاب، وهو موافِقٌ لِما بعده. اهـ (الدُّرُّ المصُون)

الصفحة 36