كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج (اسم الجزء: 4)
وقوله: (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ).
أَي عائِشة وَصَفْوانُ بنُ المُعَطِّل، وكذلك كل من قُذِفَ من المُؤْمِنينَ
والمُؤْمِنَاتِ مُبَرأُونَ ممَّا يَقُول أهل الخُبْث القَاذِفُونَ.
(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).
أي للذين قُذِفوا ورُمُوا مَغْفِرَة وَرزْق كريم، وللقاذفين اللعْنَةُ في الدُنيَا
والآخرة وَعَذَابٌ عَظِيئم.
* * *
وقوله: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) (1).
معناه إذ يلقيه بعضكم إلى بَعْض، وقرأت عائشة رحمها اللَّه: إذْ تُلْيقُونَهُ
بألسنَتِكُمْ، ومعناه إذْ تسْرِعُونَ بالكَذِبِ، يقال وَلَق يلِقُ إذَا أَسْرَع فِي الكَذِبِ وغيره.
قال الشاعر:
جاءتْ به عَنْسٌ من الشامِ تَلِق
أي تسرع.
* * *
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)
يُقْرَأُ بِالضمِّ والكَسْرِ، ولكن الضم أَكثَرُ، فمن ضمَّ فَعَلَى أصل الجمع.
يجمع بَيْتُ وبيوتُ مثل قَلْب وقُلوب وفَلْس وفلوس، وَمَنْ قرأ بِالكَسْرِ فإنما كَسَر للياء التي بعد الباء، وذلك عند البَصْرِيينَ رَدِيء جدًّا، لأنه ليس في كلام العرب فِعُول - بكسر الفاء -.
وقوله: (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا).
__________
(1) قال السَّمين:
قوله: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ}: «إذْ» منصوبٌ ب «مَسَّكُمْ» أو ب «أَفَضْتُمْ». وقرأ العامَّةُ «تَلَقَّوْنه». والأصلُ: تَتَلَقَّوْنه فحُذِفَتْ إحدى التاءَيْن ك {تَنَزَّلُ} [القدر: 4] ونحوه. ومعناه: يتلقَّاه بعضُكم من بعض. والبزيُّ على أصله: في أنه يُشَدِّد التاءَ وصلاً. وقد تقدَّم تحقيقُه في البقرة نحو {وَلاَ تَيَمَّمُواْ} [البقرة: 267] وهو هناك سَهَّلَ لأنَّ ما قبله حرفُ لِيْنٍ بخلافِه هنا. وأبو عمرو والكسائي وحمزةُ على أصولِهم في إدغامِ الذالِ في التاء. وقرأ أُبَيّ «تَتَلَقَّوْنَه» بتاءين، وتقدَّم أنها الأصلُ. وقرأ ابن السميفع في روايةٍ عنه «تُلْقُوْنَه» بضمِّ التاءِ وسكونِ اللام وضمِّ القافِ مضارِعَ «ألقى» إلقاءً. وقرأ هو في روايةٍ أخرى «تَلْقَوْنه» بفتح التاءٍ وسكونِ/ اللامِ وفتحِ القاف مضارع لَقِيَ.
وقرأ ابنُ عباس وعائشةُ وعيسى وابنُ يعمر وزيد بن علي بفتحِ التاءِ وكسرِ اللامِ وضَمِّ القافِ مِنْ وَلَقَ الرجلُ إذا كَذِبَ. قال ابن سيده: «جاؤوا بالمتعدي شاهداً على غير المتعدي. وعندي أنه أراد تَلِقُوْن فيه فحذف الحرف ووصل الفعلُ للضمير». يعني أنهم جاؤوا ب «تَلِقُوْنه» وهو متعدٍ مُفَسَّراً ب «تُكذِّبون» وهو غيرُ متعد ثم حَمَّله ما ذكر. وقال الطبري وغيره: «إن هذه اللفظةَ مأخوذةٌ من الوَلْقِ وهو الإِسراعُ بالشيءِ بعد الشيءِ كعَدْوٍ في إثْرِ عَدْوٍ وكلامٍ في إثرِ كلامٍ يُقال: وَلَقَ في سَيْرِه أي: أسرع وأنشد:
3436 جاءَتْ به عَنْسٌ من الشَّأْمِ تَلِقْ. . . وقال أبو البقاء: أي: تُسْرعون فيه. وأصله من الوَلْقِ وهو الجنون».
وقرأ زيد بن أسلم وأبو جعفر «تَأْلِقُوْنه» بفتح التاء وهمزةٍ ساكنةٍ ولامٍ مكسورةٍ وقافٍ مضمومةٍ من الأَلْقِ وهو الكذبُ. وقرأ يعقوب «تِيْلَقُوْنه» بكسر التاءِ من فوقُ، بعدها ياءٌ ساكنةٌ ولامٌ مفتوحةٌ وقافٌ مضمومةٌ، وهو مضارع وَلِق بكسر اللامِ كما قالوا يِْيجَلُ مضارعَ وجِل. اهـ (الدُّرُّ المصُون)
الصفحة 38
462