كتاب معاني القرآن وإعرابه للزجاج (اسم الجزء: 4)

لهم ليس في مُؤَاكَلِتِهْمْ حَرَج، وقيل إنهم كانوا يفعلون ذلك تقززاً، وقيل أيضاً إِنَّهُمْ كانوا إذا خرجوا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خَلَّفوا هؤلاء فكانوا يتحوبون أن يأكلوا مما يحفظونه فَأعْلِمو أَنه ليس عَلَيهم خنَاحٌ، وقيل أيضاً إنه كان قوم يَدْعونَهم إلى طعامِهِم فربما صاروا إلى منازلهم فلم يجدوا فيها طعاماً، فيمضون بهم إلي آبائهم.
وجميع ما ذكروا جيِّدٌ بالغ إلا ما ذكروا من ترك المؤاكلة تَقَززاً، فإني
لا أدري كيف هو.
وقوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا).
معنى (أَشْتَاتًا) متفرقين متَوَحِّدِين.
ونصب " جميعاً " على الحال، ويروى أَن حَياً من العرب كان الرجل منهم لَا يَأْكل وحدَه، وهم حَيٌّ من كنانة، يمكث
الرجل يَوْمَهُ فإن لم يجد مَنْ يؤاكله لم يأكل شيئاً، وربما كانت مَعَهُ الإبل
الحُفَّل، وهي التي مِلْء أخلافها اللبَنُ فلا يَشْرَب من ألبانها حتى يَجِدَ من
يُشَارِبُه، فأَعلم اللَّه عزَّ وجلَّ أَنَ الرجلَ منهم إن أكل وحده فلا إثم عليه.
وقوله تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ).
معناه فلْيُسَلِّمْ بَعْضكمْ عَلَى بَعض، فالسلام قد أمر الله به، وقيل أيضاً:
إذَا دَخَلْتم بيوتاً وكانت خَالِية فَلْيَقلِ الداخِل: السلامُ علينا وعلى عباد اللَّهِ
الصَّالِحِينَ.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ).

الصفحة 54