كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 4)

والأخرى بيدى اليسرى، فإمّا علىّ وإمّا لى، ثم كفيتهما، فدخلتا في الثّقب الذى خرجتا منه. فمكثت في ذلك القبر ما شاء الله، ثم أخرجت منه. وأحلفنى المهدىّ بالطّلاق والعتاق وكلّ يمين لا فسحة لى فيها ألّا أدخل على ابنيه موسى وهارون أبدا ولا أغنّيهما، وخلّى سبيلى. قال إبراهيم: وقلت وأنا في الحبس:
ألا طال ليلى أراعى النجوم ... أعالج في السّاق كبلا ثقيلا
بدار الهوان وشرّ الديار ... أسام بها الخسف صبرا جميلا
كثير الأخلّاء عند الرخاء ... فلما حبست أراهم قليلا
لطول بلائى ملّ الصديق ... فلا يأمننّ خليل خليلا
قال: فلمّا ولى موسى الهادى الخلافة استتر إبراهيم منه ولم يظهر له بسبب الأيمان التى حلف بها للمهدىّ. فلم يزل يطلبه حتى أتى به فلما عاينه قال: يا سيّدى، [فارقت «1» ] أمّ ولدى أعز الخلق علىّ؛ ثم غنّاه:
يابن خير الملوك لا تتركنّى ... غرضا للعدوّ يرمى حيالى
فلقد في هواك فارقت أهلى ... ثم عرّضت مهجتى للزوال
ولقد عفت في هواك حياتى ... وتغرّبت بين أهلى ومالى
قال إسحاق بن إبراهيم: فموّله الهادى وخوّله؛ وبحسبك أنه أخذ منه مائة ألف وخمسين ألف دينار في يوم واحد، ولو عاش لنا لبنينا حيطان دورنا بالذهب والفضّة.
قال حمّاد بن إسحاق قال لى أبى:
والله ما رأيت أكمل مروءة من جدّك، وكان له طعام يعدّ أبدا في كل وقت.
فقلت لأبى: كيف كان يمكنه ذلك؟ قال: كان له في كل يوم ثلاث شياه،

الصفحة 331