كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 4)

عنده صغير القدر، وقد مننت عليه وعلى الفضل وانبسطت نفسه وعظم قدرى عنده، وإنما اشتريت الجارية بأربعين ألف درهم وقد أخذت بها أربعة وعشرين ألف دينار. فلما حمل اليه المال بكماله دعانى وقال: كيف رأيت يا إسحاق، من البصير أنا أم «1» أنت؟ فقلت: أنت، جعلنى الله فداك. قال: وإبراهيم أوّل من علّم الجوارى المثمّنات الغناء فإنه بلغ بالقيان كلّ مبلغ ورفع من أقدارهنّ.
ومن أخباره مع الرشيد ما روى عن إسحاق قال حدّثنى أبى قال:
إنّ الرشيد غضب علىّ فقيّدنى وحبسنى بالرّقّة وجلس للشرب يوما في مجلس قد زينه وحسّنه. فقال لعيسى بن جعفر: هل لمجلسنا عيب؟ قال: نعم، غيبة إبراهيم الموصلىّ عنه. فأمره باحضارى؛ فأحضرت في قيودى، ففكّت عنّى بين يديه، وأمرهم فناولونى عودا؛ ثم قال: غنّ يا إبراهيم؛ فغنّيته:
تضوّع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة عطرات
فاستعاده وشرب وطرب وقال: هنأتنى وسأهنئك بالصلة، وقد وهبت لك الهنىء والمرىء «2» ، فانصرفت؛ فلما أصبحت عوّضت منهما مائتى ألف درهم.
قال إبراهيم: دخلت على موسى الهادى فقال لى: يا إبراهيم، غنّ من الغناء ما ألذّ وأطرب عليه ولك حكمك. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن لم يقابلنى زحل ببرده رجوت ذلك؛ فغنيّته:
وإنى لتعرونى لذكراك هزة ... كما انتفض العصفور بلّله القطر

الصفحة 333