كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 4)

فضرب بيده إلى جيب درّاعته «1» فحطّه ذراعا؛ ثم قال: أحسنت والله! زدنى؛ فغنّيت:
فيا حبّها زدنى جوى كلّ ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
فضرب بيده الى درّاعته فحطها ذراعا آخر وقال: زدنى ويلك! أحسنت والله ووجب حكمك؛ فغنّيت:
هجرتك حتى قيل ما يعرف الهوى ... وزرتك حتى قيل ليس له صبر
فرفع صوته وقال: أحسنت والله! لله أبوك! هات ما تريد. فقلت: يا سيّدى عين مروان بالمدينة. فدارت عيناه في رأسه حتى صارتا كأنهما جمرتان وقال:
يابن اللخناء! أردت أن تشهرنى بهذا المجلس فيقول الناس: أطربه فحكم عليه فتجعلنى سمرا وحديثا! يا إبراهيم الحرّانى «2» ، خذ بيد هذا الجاهل فأدخله بيت مال الخاصة، فإن أخذ كلّ ما فيه فخلّه وإياه. فدخلت فأخذت خمسين ألف دينار. وهذا الشعر لأبى صخر الهذلىّ، وأوّله:
عجبت لسعى الدّهر بينى وبينها ... فلما انقضى ما بيننا سكن الدّهر
فيا حبّها زدنى جوى كلّ ليلة ... ويا سلوة الأيام موعدك الحشر
ويا هجر ليلى قد بلغت بى المدى ... وزدت على ما ليس يبلغه «3» الهجر
وإنى لتعرونى لذكراك هزّة ... كما انتفض العصفور بلّله القطر
هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى ... وزرتك حتى قيل ليس له صبر

الصفحة 334