كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 4)

التى كان عليها أوّلا وآخرا؛ فدخلت أترنّم وأصفّق. فقال لى: أدن؛ فقلت:
ما بقى عليك؟ فقال: اجلس وارفع سجف هذا الباب؛ فرفعته فاذا عشرون بدرة مع تلك العشر. فقلت: ما تنتظر الآن؟ فقال: ويحك! ما هو إلا أن حصلت حتى جرت مجرى ما تقدّم. فقلت: والله ما أظن أحدا نال من هذه الدولة ما نلت! فلم تبخل على نفسك بشىء تمنيته دهرا وقد ملّكك الله أضعافه! ثم قال:
اجلس فخذ هذا الصوت. فألقى علىّ صوتا أنسانى صوتى الأوّلين وهو:
أفى كلّ يوم أنت صبّ وليلة ... إلى أمّ بكر لا تفيق فتقصر
أحبّ على الهجران أكناف بيتها ... فيالك من بيت يحبّ ويهجر
إلى جعفر سارت بنا كلّ جسرة ... طواها سراها نحوه والتهجّر
إلى واسع للمجتدين فناؤه ... تروح عطاياه عليهم وتبكر
- وهو شعر مروان بن أبى حفصة يمدح جعفر [بن يحيى «1» ]- قال مخارق: ثم قال لى إبراهيم: هل سمعت مثل هذا قطّ؟ فقلت: ما سمعت قط مثله! فلم يزل يردّده علىّ حتى أخذته، ثم قال لى: امض إلى جعفر فافعل به كما فعلت بأبيه وأخيه. قال: فمضيت ففعلت مثل ذلك وأخبرته بما كان وعرضت عليه الصوت؛ فسرّ به ودعا خادما فأمره أن يضرب السّتارة، وأحضر الجارية وقعد على كرسىّ؛ ثم قال: هات يا مخارق؛ فألقيت الصوت عليها حتى أخذته؛ فقال: أحسنت يا مخارق وأحسن أستاذك، فهل لك في المقام عندنا اليوم؟ فقلت: يا سيّدى، هذا آخر أيامنا، وإنما جئت لموقع الصوت منّى حتى ألقيته على الجارية. فقال: يا غلام، احمل معه ثلاثين ألف درهم وإلى الموصلىّ ثلاثمائة ألف درهم. فصرت إلى منزلى بالمال وأقمت ومن عندى مسرورين نشرب طول يومنا ونطرب. ثم بكّرت إلى إبراهيم

الصفحة 338