كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 4)

فتلقّانى قائما، ثم قال لى: أحسنت يا مخارق! فقلت: ما الخبر؟ قال: اجلس فجلست؛ فقالت لمن خلف الستارة: خذوا فيما أنتم عليه «1» ثم رفع السّجف فإذا المال. فقلت ما خبر الضّيعة؟ فأدخل يده تحت مسورة «2» وهو متكىء عليها فقال: هذا صكّ الضّيعة اشتراها يحيى بن خالد وكتب إلىّ: «قد علمت أنك لا تسخو نفسك بشراء هذه الضّيعة من مال يحصل لك ولو حويت الدنيا كلّها، وقد ابتعتها من مالى» . ووجّه إلىّ بصكها، وهذا المال كما ترى، ثم بكى وقال: يا مخارق، إذا عاشرت فعاشر مثل هؤلاء، وإذا خنكرت «3» فخنكر لمثل هؤلاء، ستمائة ألف، وضيعة بمائة ألف، وستون ألف درهم لك، حصّلنا ذلك أجمع وأنا جالس في مجلسى لم أبرح منه، متى يدرك مثل هؤلاء!.
وروى عنه قال: أتيت الفضل بن يحيى يوما فقلت له: يا أبا العبّاس، جعلت فداك! هب لى دراهم فإن الخليفة قد حبس برّه. فقال: ويحك يا أبا إسحاق ما عندى ما أرضاه لك. ثم قال: هاه! إلا أنّ هاهنا خصلة، أتانا رسول صاحب اليمن فقضينا حوائجه، ووجّه [الينا «4» ] بخمسين ألف دينار يشترى لنا بها محبّتنا. فما فعلت ضياء جاريتك؟ قلت: عندى جعلت فداك. قال: فهو ذا، أقول لهم يشترونها «5» منك فلا تنقصها من خمسين ألف دينار؛ فقبّلت رأسه ثم انصرفت. فبكّر علىّ رسول صاحب اليمن ومعه صديق له ولى، فقال: جاريتك فلانة [عندك «6» ] ؟ قلت: عندى.
قال: اعرضها علىّ فعرضتها عليه؛ فقال: بكم؟ فقلت: بخمسين ألف دينار ولا أنقص منها دينارا واحدا، وقد أعطانى الفضل بن يحيى أمس هذه العطيّة،

الصفحة 339