كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 4)

فقال: هل لك في ثلاثين ألف دينار مسلّمة؟ وكان مشترى الجارية أربعمائة دينار، فلما وقع في أذنى ذكر ثلاثين ألف دينار أرتج علىّ ولحقنى زمع «1» ، وأشار علىّ صديقى الذى معه بالبيع، وخفت والله أن يحدث بالجارية حدث أو بى أو بالفضل «2» بن يحيى، فسلّمتها وأخذت المال. ثم بكّرت على الفضل، فإذا هو جالس وحده. فلما نظر إلىّ ضحك وقال لى: يا ضيّق العطن والحوصلة، حرمت نفسك عشرين ألف دينار.
فقلت له: جعلت فداك، دع ذا عنك، فو الله لقد دخلنى شىء أعجز عن وصفه وخفت أن تحدث بى حادثة أو بالجارية أو بالمشترى أو بك أعاذك الله من كل سوء، فبادرت بقبول الثلاثين ألف دينار. فقال: لا ضير، يا غلام جىء بجاريته، فجىء بها، فقال: خذ بيدها وانصرف بارك الله لك فيها، ما أردنا إلّا منفعتك ولم نرد الجارية.
فلما نهضت قال لى: مكانك، إن رسول صاحب أرمينية قد جاءنا فقضينا حوائجه ونفّذنا كتبه، وقد ذكر أنه قد جاء بثلاثين ألف دينار يشترى لنا بها ما نحبّ، فاعرض عليه جاريتك هذه ولا تنقصها من ثلاثين ألف دينار؛ فانصرفت بالجارية. وبكّر علىّ رسول صاحب أرمينية ومعه صديق لى آخر، فقاولنى بالجارية؛ فقلت: لن أنقصها من ثلاثين ألف دينار. فقال لى: معى عشرون ألف دينار مسلّمة خذها بارك الله لك فيها. فدخلنى والله مثل الذى دخلنى في المرّة الأولى وخفت مثل خوفى الأوّل، فسلّمتها وأخذت المال. وبكّرت على الفضل، فإذا هو وحده. فلما رآنى ضحك وضرب برجله ثم قال: ويحك، حرمت نفسك عشرة آلاف دينار. فقلت: أصلحك الله، خفت والله مثل ما خفت في المرّة الأولى. فقال:
لا ضير، [أخرج «3» ] يا غلام جاريته فجىء بها؛ فقال: خذها، ما أردناها وما أردنا إلا

الصفحة 340