كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب (اسم الجزء: 4)

لا تفسدوا علىّ غلامى. قالوا: بل نبتاعه منك بعشر قلائص. فأقبل بها يسوقها، وأقبل بالقوم حتى عقلها، ثم قال: دونكم! هذا هو. فقالوا: قد اشتريناك. فقال سويبط: هو كاذب، أنا رجل حرّ؛ فقالوا: قد أخبرنا خبرك، ووضعوا في عنقه حبلا وذهبوا به. فجاء أبو بكر رضى الله عنه فأخبر بذلك، فذهب هو وأصحابه، فردّوا القلائص على أربابها وأخذوه. وأخبر النبىّ صلّى الله عليه وسلم بالقصة فضحك منها حولا.
ومن مزاحاته: أنه أهدى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم جرّة عسل اشتراها من أعرابىّ، وأتى بالأعرابىّ إلى باب النبىّ صلّى الله عليه وسلم فقال: خذ الثمن من هاهنا. فلما قسمها النبىّ صلّى الله عليه وسلم نادى الأعرابىّ: ألا أعطى ثمن عسلى؟! فقال النبى صلّى الله عليه وسلم: «إحدى هنات نعيمان» . وسأله: لم فعلت هذا؟ فقال: أردت برّك يا رسول الله، ولم يكن معى شىء. فتبسّم النبىّ صلّى الله عليه وسلم وأعطى الأعرابىّ حقّه.
ومن مزاحاته أيضا: أنه مرّ يوما بمخرمة بن نوفل الزّهرىّ، وهو ضرير، فقال له: قدنى حتى أبول، فأخذ بيده حتى إذا كان في مؤخّر المسجد قال له:
اجلس؛ فجلس مخرمة ليبول؛ فصاح الناس: يا أبا المسور، أنت في المسجد. فقال:
من قادنى؟ فقيل له: نعيمان. قال: لله علىّ أن أضربه بعصاى إن وجدته. فبلغ ذلك نعيمان، فجاء يوما فقال لمخرمة: يا أبا المسور، هل لك في نعيمان؟ قال نعم.
قال: هو ذا يصلى. وأخذ بيده وجاء به إلى عثمان بن عفّان رضى الله عنه وهو يصلّى، فقال: هذا نعيمان؛ فعلاه مخرمة بعصاه؛ فصاح به الناس: ضربت أمير المؤمنين. فقال: من فادنى؟ قالوا: نعيمان؛ فقال: لا جرم لا عرضت له بسوء أبدا.

الصفحة 4