كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 4)

فَرِعَايَةُ النَّاسِ أَشَدُّ! قال: فَوَافَقَهُ قولي، فَوَضَعَ رَأسَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَيَّ فَقال: إِنَّ اللَّهَ يَحفَظُ دِينَهُ، وَإِنِّي إن لَا أَستَخلِف فَإِنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَم يَستَخلِف،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القياس، فإنه قَرَّرَ على الأصل المعلوم، وهي رعاية الغنم والإبل، ثم حمل عليه رعاية الناس ورأى أنها أولى، فكانَّ ذلك إلحاق مسكوتٍ عنه بمنطوقٍ به على طريق الأَولى، وهو نوع من أنواع الإلحاق كما يعرف في موضعه.
وقوله فوافقه قولي؛ يعني أنه مال إليه ونظر فيه، ولذلك وضع عمر رأسه يفكر في المسألة، ثم لَمَّا لاح له نَظَرٌ آخر أخذ يُبدِيه، فرفع رأسه وقال: إن الله يحفظ دينه، وإنما قال ذلك للذي قد علمه من قوله تعالى: {لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} ومن قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ، ولغير ذلك مما بشر به النبي صلى الله عليه وسلم من استيلاء المسلمين وما يفتح الله تعالى عليهم من المشارق والمغارب، ومن قوله إنَّ الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أُمَّتِي سيبلغ ما زوى لي منها (¬1)، وغير ذلك.
وقوله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف؛ أي: لم ينصّ على خليفة، لا على أبي بكر ولا على غيره، وهذا هو مذهب جماعة من أهل السُّنة والصحابة ومن بعدهم.
وقد ذهب بكر ابن أخت عبد الواحد إلى أن تقديم أبي بكر كان بالنص من النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب ابن الراوندي إلى أنه نصّ على العباس، وذهب الشيعة والرافضة (¬2) إلى أنه نصّ على عليّ، وكل ذلك أقوال باطلة قطعًا؛ إذ لو كان ذلك لكان المهاجرون والأنصار أعرف بذلك، فإنهم اختلفوا في ذلك يوم السَّقيفة، وقال كل واحد منهم ما عنده في ذلك من النظر، ولم ينقل منهم أحدٌ نصًّا على
¬__________
(¬1) رواه مسلم (2889)، وابن ماجه (3952).
(¬2) في (ج): والروافض.

الصفحة 13