كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 4)

فَأَغضَبُوهُ فِي شَيءٍ، فَقَالَ: اجمَعُوا لِي حَطَبًا. فَجَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ: أَوقِدُوا نَارًا. فَأَوقَدُوا، ثُمَّ قَالَ: أَلَم يَأمُركُم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَن تَسمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالَوا: بَلَى! قَالَ: فَادخُلُوهَا! قَالَ: فَنَظَرَ بَعضُهُم إِلَى بَعضٍ فَقَالَوا: إِنَّمَا فَرَرنَا إِلَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن النَّارِ! فَكَانُوا كَذَلِكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، وَطُفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا رَجَعُوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذَكَرُوا ذَلِكَ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: لَو دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعرُوفِ.
وفي رواية: فَأَرَادَ نَاسٌ أَن يَدخُلُوهَا، وَقَالَ الآخَرُونَ: إِنَّما فَرَرنَا مِنهَا! فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَن يَدخُلُوهَا: لَو دَخَلتُمُوهَا لَم تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَومِ القِيَامَةِ. وَقَالَ لِلآخَرِينَ قَولًا حَسَنًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الله بن حُذَافة؛ فإنه مهاجريٌّ وذلك أنصاريٌّ، فافترقا. وقضية عبد الله بن حُذَافة هي التي ذكر منها ابن عباس رضي الله عنهما طرفًا كما تقدَّم، فلا معنى لقول من قال: إن هذا الذي حكى عنه عليُّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ هو عبد الله بن حُذَافة. وكذلك لا معنى لقول من قال: إنَّ ذلك الأمير إنما أمرهم بدخول النار ليختبر طاعتهم له. وقد قال في هذه الرواية: إنهم أغضبوه. وقال: وسكن غَضَبُهُ عليهم، فأراد عقوبتهم بذلك. وهذه نصوص في أنه إنما حمله على ذلك غضبه عليهم.
وقوله لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة ظاهر في أنه تَحرُمُ الطاعةُ في المعصية المأمور بها، وأنَّ المطيع فيها يستحق العقاب.
وقوله للآخرين قولًا حسنًا يدلّ على مدح المصيب في المجتهدات، كما أنّ القول الأول يدلّ على ذمِّ المقصر المخطئ وتعصيته، مع أنه ما كان تقدّم لهم في مثل تلك النازلة نصٌّ، لكنهم قصروا حيث لم ينظروا في قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها المعلومة الجليّة.

الصفحة 40