كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تظهر الكراماتُ على العصاة في حال معصيتهم؟ ! فإنَّ الكرامةَ تدلُّ على حُسن حال من ظهرت على يديه وأنه مطيع لله تعالى في تلك الحالة مع جواز أمر آخر يكون في المستقبل، وإن كان ذلك الشيخ غير قاصدٍ لذلك ولا شاعرٍ بما صدر عنه فكيف يحلُّ للمريد أن يُلقي نفسه في النار بأمر غلطٍ لا حقيقةَ له؟ ! ثم هذا المريد عاصٍ بذلك الفعل، ولا يظهر على العاصي كرامةٌ في حال ملابسته للمعصية، ولو جاز ذلك لجاز للزَّناة وَشَرَبَةِ الخمر والفَسَقَة أن يدَّعوا الكرامات وهم ملابسون لفسقهم، هذا ما لا يجوز إجماعًا، وإنما تُنسب الكراماتُ لأولياء الله وهم أهل طاعته لا إلى أولياء الشيطان، وهم أهل الفسق والعصيان.
والأولى في هذه الحكاية وأشباهها مما لا يليق بأحوال الفضلاء والعلماء الطعن على الناقل لا على المنقول عنه، والله تعالى أعلم.
فإن قيل: إن الشيخ لم يكن قاصدًا لإدخال المريد نفسه النار، وإنما صَدَر ذلك منه على جهة التأديب والتغليظ لكونه أكثر عليه من السؤال، فكأنَّه قَطَعَهُ عمَّا كان أولى به في ذلك الحال، والمريد لصحة اعتقاده في شيخه وللوفاء بما جعل له عليه من الطاعة وترك المخالفة ولاعتقاده أنه لا يأمره إلا بما فيه مصلحة دينية، ثم إنه قد صحَّ توكّل هذا المريد على الله تعالى وصِدقِه في حاله، فيحتمل (¬1) له من مجموع ذلك أن الله تعالى ينجيه من النار ويجعل له في ذلك مخرجًا.
والجواب أن يقول مَن يُجوّز الإقدام على تلك الحالة بتلك القيود المذكورة يلزمُه أن يُجوز ما هو محرّم إجماعًا، بيانُ ذلك أنه لو قال له على تلك الحال (¬2) بتلك القيود اقتل فلانًا المسلم، أو: ازن بفلانة، أو: اشرب الخمر -
¬__________
(¬1) في (ج 2): فحصل.
(¬2) في (ج 2): الجهة.

الصفحة 42