كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 4)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لم يجز الإقدام على شيء من ذلك بالإجماع، ولو كانت له تلك القيود كلها. ولا فرق بين صورة الحكاية المذكورة وبين هذه الصور التي ذكرناها؛ إذ الكل مُحرَّمٌ قطعًا، وإن جُوِّزَ انخراق العادة في أن النار لا تحرق والسيف لا يحز الرقبة والمدية لا تقطع الحلق، لكن هذه التجويزات لا يُلتفت إليها ولا تُهَدُّ القواعدُ الشرعية لأجلها، فلو أقدم على شيء من تلك الأمور لأجل أمر هذا الشيخ لكان عاصيًا، فكذلك إذا ألقى نفسه في النار، ولا فرق.
ثم نقول: إنَّ التوكل على الله لا يصحّ مع المخالفة والمعصية، وذلك أن التوكل على الله تعالى هو الاعتماد عليه والتفويض إليه فيما يجوز الإقدام عليه أو فيما يخافُ وقوعه أو يُرتجى حصوله، وقد يُفضِي التوكّل بصاحبه إلى ألا يخاف شيئًا إلا الله ولا يرجو سواه؛ إذ لا فاعل على الحقيقة إلا هو، وهذه الحالة إنما تثمرها المعرفة بالله تعالى وبأحكامه وملازمة الطاعة والتقوى والتوفيق الخاص الإلهي.
وعلى هذا فمن المحال حصول هذه الحالة مع المعصية والمخالفة، والصحيح ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دخلوها ما خرجوا منها، وهذا هو الحق المبين ولو كره أكثر الجاهلين.
ومن نوع هذه الحكاية حكاية أبي حمزة الذي وقع في البئر، ثم جاء قوم وغطّوا البئر وهو في قعره ساكت لم يتكلم؛ متوكلًا على الله تعالى، إلى أن غطّوا البئر وانصرفوا - وللكلام في هذا موضع آخر.
* * *

الصفحة 43