كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 4)

عَن النَّارِ وَيُدخَلَ الجَنَّةَ فَلتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ، وَليَأتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَن يُؤتَى إِلَيهِ، وَمَن بَايَعَ إِمَامًا فَأَعطَاهُ صَفقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلبِهِ فَليُطِعهُ إِن استَطَاعَ، فَإِن جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ. قال عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة: فَدَنَوتُ مِنهُ فَقُلتُ: أَنشُدُكَ اللَّهَ، آنتَ سَمِعتَ هَذَا مِن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَهوَى إِلَى أُذُنَيهِ وَقَلبِهِ بِيَدَيهِ وَقَالَ: سَمِعَتهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلبِي! فَقُلتُ لَهُ: هَذَا ابنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يَأمُرُنَا أَن نَأكُلَ أَموَالَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومنه الماء الدَّافِق. ويعني: أنها كموج البحر الذي يدفق بعضه بعضًا، وشُبِّه المؤمنُ في هذه الفتن بالعائِم الغريق بين الأمواج، فإذا أقبلت عليه موجة قال: هذه مهلكتي! ثم تروح عنه تلك، فتأتيه أخرى فيقول: هذه هذه! إلى أن يغرق بالكلّية، وهذا تشبيه واقع. ورواه أكثر الرُّواة فيُرَقِّقُ بالراء المفتوحة والقاف الأولى المكسورة؛ أي: يُسَيبُ بعضها بعضًا ويشيرُ إليه، كما قالوا في المثل: عن صَبُوحٍ تًرَقِّقُ؟
ويُزَحزَح عن النار: يُنَحَّى عنها ويُؤخّر منها.
وقوله وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه؛ أي: يجيء إلى الناس بحقوقهم من النصح والنيّة الحسنة بمثل الذي يحبُّ أن يُجَاءَ إليه به، وهذا مِثلُ قوله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (¬1)، والنَّاسُ هنا الأئمة والأمراء، فيجب عليه لهم من السمع والطاعة والنُّصرة والنَّصيحة مثل ما لو كان هو الأمير لكان يحب أن يُجاءَ له به.
وقوله ومن بايع إمامًا فأعطاه صَفقَةَ يده وثمرةَ فؤاده يدلّ على أن البيعة لا يكتفى فيها بمجرّد عقد اللسان فقط، بل لا بد من الضرب باليد، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوقَ أَيدِيهِم} ولكن
¬__________
(¬1) رواه أحمد (3/ 176 و 272)، والبخاري (13)، ومسلم (45)، وابن ماجه (66)، والترمذي (2515)، والنسائي (8/ 125).

الصفحة 52