كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 4)

فَقُلتُ: هَل بَعدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِن خَيرٍ؟ قَالَ: نَعَم، وَفِيهِ دَخَنٌ. قُلتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَومٌ يَستَنُّونَ بِغَيرِ سُنَّتِي وَيَهدُونَ بِغَيرِ هَديِي، تَعرِفُ مِنهُم وَتُنكِرُ! فَقُلتُ: هَل بَعدَ ذَلِكَ الخَيرِ مِن شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَم؛ دُعَاةٌ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن بفتح الدال والخاء لا غير، وهو عبارةٌ عن الكدر، ومنه قولهم: هُدنَةٌ على دخنٍ - حكى معناه أبو عبيد. وقيل: هي لغة في الدُّخان. ومنه الحديث: وذكر فتنة فقال: دَخَنُهَا تحت قدمِي (¬1).
وقيل: إنَّ خبر حذيفة هذا إشارةٌ إلى مُدَّة عمر بن عبد العزيز.
قلت: وفيه بُعدٌ، بل الأولى أن الإشارة بذلك إلى مُدّة خلافة معاوية فإنها كانت تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر، وهي مدّة الهدنة التي كان فيها الدَّخن؛ لأنه لما بايع الحسن معاوية واجتمع الناس عليه كره ذلك كثير من الناس بقلوبهم وبقيت الكراهة فيهم، ولم تُمكِنُهم المخالفة في مدة معاوية ولا إظهارها إلى زمن يزيد بن معاوية فأظهرها كثير من الناس. ومدة خلافة معاوية كان الشرّ فيها قليلًا والخير غالبًا، فعليهم يصدق قوله عليه الصلاة والسلام تعرف منهم وتنكر. وأمَّا خلافة ابنه فهي أول الشرِّ الثالث؛ فيزيد وأكثر ولاته ومن بعده من خلفاء بني أميةَ هم الذين يَصدُق عليهم أنّهم دُعَاةٌ على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، فإنهم لم يسيروا بالسَّواء ولا عدلوا في القضاء، يدل على ذلك تَصَفَّحَ أخبارهم ومطالعة سِيَرهم، ولا يُعتَرضُ على هذا بمدة خلافة عمر بن عبد العزيز بأنها كانت خلافة عدل لقصرها وندورها في بني أمية، فقد كانت سنتين وخمسة أشهر، فكأنَّ هذا الحديث لم يتعرض لها، والله تعالى أعلم.
ودعاة جَمعُ داعٍ، كقضاة وقاض. وقذفوه رموه - يعني بذلك أن
¬__________
(¬1) رواه أحمد (2/ 133)، وأبو داود (4242).

الصفحة 56