كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 4)
قَالَ: لَو قُلتَهَا وَأَنتَ تَملِكُ أَمرَكَ، أَفلَحتَ كُلَّ الفَلَاحِ. ثُمَّ انصَرَفَ، فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: مَا شَأنُكَ؟ قَالَ: إِنِّي جَائِعٌ فَأَطعِمنِي، وَظَمآنُ فَاسقِنِي، قَالَ: هَذِهِ حَاجَتُكَ. فَفُدِيَ بِالرَّجُلَينِ. فقَالَ: وَأُسِرَت امرَأَةٌ مِن الأَنصَارِ، وَأُصِيبَت العَضبَاءُ، فَكَانَت المَرأَةُ فِي الوَثَاقِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإسلام.
وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أنه لم يقبل ذلك منه؛ لما أجابه بقوله: (لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح)، وحينئذ يلزم منه إشكال عظيم؛ فإن ظاهره: أنه لم يقبل إسلامه لأنه أسيرٌ مغلوبٌ عليه، لا يملك نفسه. وعلى هذا: فلا يصح إسلام الأسير في حال كونه أسيرًا، وصحة إسلامه معلوم من الشريعة، ولا يختلف فيه، غير أن إسلامه لا يزيل ملك مالكه بوجه. وهو أيضًا معلوم من الشارع (¬1).
ولما ظهر هذا الإشكال اختلفوا في الانفصال عنه. فقال بعض العلماء: يمكن أن يكون علم النبي صلى الله عليه وسلم من حاله: أنه لم يصدق في ذلك بالوحي. ولذلك لما سأله في المرَّة الثالثة فقال: (إني جائع فأطعمني، وظمآن فاسقني) قال: (هذه حاجتك). وقال بعضهم: بل إسلامه صحيح، وليس فيه ما يدل على أنه ردَّ إسلامه.
فأمَّا قوله: (لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح) أي: لو قلت كلمة الإسلام قبل أن تؤسر لبقيت حرًّا من أحرار المسلمين، لك ما لهم من الحرية في الدُّنيا، وثواب الجنة في الآخرة. وأمَّا إذا قلتها وأنت أسير: فإن حكم الرق لا يزول عنك بإسلامك. فإن قيل: فلو كان مسلمًا فكيف يفادى به من الكفار رجلان مسلمان؟ ! فالجواب: أنَّه ليس في الحديث نصٌّ: أنه رجع إلى بلاده بلاد الكفر. فيمكن أن يُقال: إنما فدي بالرَّجلين من الرِّق فأعتق منه بسبب ذلك، وبقي مع المسلمين حرًّا من الأحرار. وليس في قوله: (هذه حاجتك) ما يدلُّ على أن إسلامه ليس بصحيح، كما ظنه القائل الأول. وإنما معنى ذلك: هذه حاجتك حاضرة مُتيسِّرة.
¬__________
(¬1) ما بين حاصرتين سقط من (ع).