كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 4)

فَلَم يَقُل وَنَسِيَ، فَلَم تَأتِ وَاحِدَةٌ مِن نِسَائِهِ إِلَّا وَاحِدَةٌ جَاءَت بِشِقِّ غُلَامٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: وَلَو قَالَ: إِن شَاءَ اللَّهُ، لَم يَحنَث وَكَانَ دَرَكًا لحَاجَتِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
و(قوله: فلم يقل، ونسي) أي: لم ينطق بتلك الكلمة ذهولًا ونسيانًا، أنساه الله تعالى إيَّاها لينفذ قدر الله تعالى الذي سبق به علمه، من جعل ذلك النسيان سببًا لعدم وقوع ما تمنَّاه وقصده سليمان ـ عليه السلام.
و(قوله: فلو قال: إن شاء الله لم يحنث) دليل على جواز قول: (لو) و (لولا) بعد وقوع المقدور. وقد وقع من ذلك مواضع كثيرة في الكتاب، والسُّنة، وكلام السَّلف، كقوله تعالى: {لَو أَنَّ لِي بِكُم قُوَّةً أَو آوِي إِلَى رُكنٍ شَدِيدٍ} وكقوله: {وَلَولا رِجَالٌ مُؤمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤمِنَاتٌ} وكقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدَّهر، ولولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام، ولم يخنز اللحم) (¬1).
فأمَّا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (لا يقولن أحدكم: لو؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان (¬2)) فمحمول على من يقول ذلك معتمدًا على الأسباب، مُعرضًا عن المقدور، أو متضجرًا منه، كما حكاه الله تعالى من قول المنافقين حيث قالوا: {لَو أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} ثم ردَّ الله قولهم، وبيَّن لهم عجزهم، فقال: {قُل فَادرَءُوا عَن أَنفُسِكُمُ المَوتَ إِن كُنتُم صَادِقِينَ} ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث: (المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تقل: لو كان كذا لكان كذا؟ فإن لو تفتح عمل الشيطان. قل: ما شاء الله كان، وما شاء فعل) (¬3)، فالواجب عند وقوع المقدور التسليم لأمر الله، وترك الاعتراض على
¬__________
(¬1) رواه أحمد (2/ 315)، والبخاري (3399)، ومسلم (1470) (62).
(¬2) هو الحديث التالي.
(¬3) رواه أحمد (2/ 366 و 370)، ومسلم (2664)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (623 و 624)، وابن ماجه (79) و (4168).

الصفحة 638