كتاب المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (اسم الجزء: 4)
مِنكُم البَاءَةَ فَليَتَزَوَّج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أي: من لم يجد ذلك. ولا يُراد به هنا: القدرة على الوطءِ؛ لقوله: (فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء).
و(قوله: فليتزوج) أمرٌ، وظاهره: الوجوب. وبه قال داود ومَن تابعه. والواجب عندهم العَقدُ لا الدخول، فإنه إنما يجب عندهم مرة في العمر. والجمهور: على أن التزويج مندوب إليه، مُرَغَّبٌ فيه على الجملة. وقد اعتبره بعض علمائنا بالنظر إلى أحوال النَّاس، وقسَّمه بأقسام الأحكام الخمسة (¬1). وذلك واضحٌ. وصرف الجمهورُ ذلك الأمرَ عن ظاهره لشيئين:
أحدهما: أن الله تعالى قد خيَّر بين التزويج والتَّسَرِّي بقوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} ثم قال: {أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم}، والتَّسرِّي ليس بواجب إجماعًا، فالنكاح لا يكون واجبا؛ لأن التخيير بين واجب وبين ما ليس بواجب يرفع وجوب الواجب. وبَسطُ هذا في الأصول.
وثانيهما: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزوَاجِهِم أو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ} ولا يقال في الواجب: إنه غير ملوم.
ثم هذا الحديث لا حجة لهم فيه لوجهين:
أحدهما: أن نقول بموجبه في حق الشابّ المستطيع الذي يَخافُ الضررَ على نفسه ودينه من العُزبة، بحيث لا يرتفع عنه إلاَّ بالتزويج، وهذا لا يُختلف في وجوب التزويج عليه.
والثاني: أنهم قالوا: إنّما يجب العقد لا الوطء. وظاهرُ الحديث: إنّما هو الوطء، فإنّه لا يحصل شيءٌ من الفوائد التي أرشد إليها في ذلك الحديث؛ من
¬__________
(¬1) الأحكام الخمسة هي: الواجب، المندوب، المباح، المكروه، الحرام.