كتاب شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية (اسم الجزء: 4)

المفضَّل عليه، إذ لا محظورَ في تقديم الأداة وتأخير مطلوبها. ألا ترى أنك تقول: مَتَى تَظُنُّ زيداً قائماً؟ والاستفهامُ راجعٌ للقيام لا للظن، ويجوز أن يرجع إلى الظن، فكذلك هنا. ويكون المسوِّغُ للفصل قبحَ تقديم مجرور (أَفْعَلَ) عليه.
وإذا ظهر وجه التردُّد في المسألة فيمكن أن يكون الناظم تَرك ذكرَها قَصْداً، لأنها محلُّ نَظَر، فكأنه لم يترجَّح عنده أحدُ النظرَين على الآخر، ولم يَجِدْ في المسألة سماعاً يَعتمد عليه فأغفل الكلامَ عليها لمن يأتي بعده.
ويَحتمل أن يكون النظران عنده سائغين، فيجوز التقديمُ وعدمه بالاعتبارين، واتَّكل في فهم الناظر لذلك على ما قَرَّر من القسمين، والأول أظهر. والله أعلم.
ورَفعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ ومَتَى
عَاقَبَ فِعْلاً فكَثِيراً ثَبَتَا
كلَنْ تَرىَ في النَّاسِ مِنْ رَفِيقِ
أَوْلَى به الفَضْلُ من الصَّديق
يَعني أن أفعل التفضيل شأنُه أن يَرفع المضمرَ فقط، لضَعْفه عن مقاربة الصفة المشَّبهة، وذلك أن الصفة المشبَّهة باسم الفاعل لما ضَعُفت عن لَحَاقها باسم الفاعل لم تعمل إلا فيما كان من سَبَبها، نحو: مررتُ بَحَسَنٍ أبوه، ولا يكون ذلك في (أَفْعَلَ مِنْ كذا) فلما قَصَّر عن الصفة في الأشياء لم يكن عملهُ الرفعَ مطلقا، ولم يَقْوَ أن يعمل إذا جرىَ على غير الأول، وإنما يَقْوَى إذا جرى على الأول، فصار رفعُه مقتصَراً به على الضمير دون الظاهر، فإذا رَفع الظاهر كان ذلك على خلاف قاعدته القياسية، وهو الذي نصَّ عليه الناظم بقوله: (نَزْراً) والذي أشار إليه حكاه يونس في لغة ضعيفة، وذلك قولك: مررتُ برجلٍ
_______________

الصفحة 595