كتاب شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية (اسم الجزء: 4)

أحدها أن يكون الظاهرُ المرفوعُ بـ (أَفْعَل) مفضَّلا على ما هو هو في المعنى مذكورٍ بعده أو مقدر. وهو في مثاله مقدر، لأن التقدير فيه: لن تَرى في النَّاسِ مِنْ رفيقٍ أَوْلَى به الفضلُ منه بالصدِّيقِ. والضمير في ((منه)) عائد على (الفَضْل) وهو المفضَّل، فإذاً هو هو. ويجوز حذف المفضل عليه كما في المثال، فتقول: ما رأيتُ رجلاً أحسنَ في عينه المحلُ من عينِ زيدٍ، كما تقول: ((ما مِنْ أيامٍ أحبَّ إلى اللهِ فيه الصومُ من عَشْر ذيِ الحِجَّة)) أصله ((مِنْهُ في عَشْر ذيِ الحِجَّة)) وإنما حُذف للاختصار ولفهم المعنى.
وإنما أَتى به محذوفاً ليُعلمك أنه جائزُ الحذفِ، ليس بلازم الذَّكرْ. والمعنى أيضا دال على موضعه، فلم يحتج إلى التنبيه على صحة الإتيان به. وتحرَّز بهذا القْيد من أن يكون الظاهر على ما هو غيرُه، كقولك: مررتُ برجلٍ خيرٍ منه أبوه، فإن هذا مما فُضِّل فيه الظاهرُ، وهو (الأبُ) على غيره، وهو (الرجلُ) وقد تقدم أن رفع الظاهر في مثل هذا لغةٌ ضعيفة، بخلاف مسألتنا.
وتحرز بقوله: ((مذكور بعدة)) من أن يكون مذكورا قبله، أعني المفضَّلَ عليه، فإنه إذا كان كذلك لم يَكْثر رفعُ (أَفْعَل) للظاهر، إذ لا يقال به إلا حيث يَتَعَيَّن.
وكذلك إذا قلتَ في مثال الناظم: أَوْلَى به من الصدِّيق الفضلُ، فصار كقولك: مررتُ برجل خيرٍ منك أبوه.
والقيد الثاني أن يكون الظاهر المرفوع بـ (أَفْعَل) آتياً بعد ضمير مذكورٍ ملفوظٍ به، وذلك الضمير مفسَّر بصاحب (1) (أَفْعَلَ) الذي جَرىَ عليه. وهذا
_______________
(1) في (ت) ((مفسِّر لصاحب)) وهو تصحيف.

الصفحة 600