كتاب شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية (اسم الجزء: 4)

الضمير المشارُ إليه هو المجرور بالباء في قوله في المثال: ((أَوْلَى به الفضلُ من الصدِّيق)) والمرفوع هو (الفضلُ) فإذا كان على هذا الترتيب صَحَّ رفعُ (أَفْعَلَ) للظاهر، لأنه لا سبيل إلى غير ذلك، ... إذ لو/ جعلتَ (الفضْلُ) مبتدأ، و (أَوْلَى) خبره لكنتَ قد فصلتَ بين (أَوْلَى) وما في ... 580 صِلَته، وهو المجرور بعد (الفَضْل) بأجنبيٍّ منهما، وهو (الفَضْلُ) وقد تقدَّم.
فلو لم يكن الضمير المفسَّر بصاحب (أَفْعَلَ) مذكوراً قبل المرفوع، بل كان بعده، وذلك إنَّما يُتَصَّور مع تقديم المرفوع، وتصييره مبتدأ لصار (أَفْعَلُ) لا يَرفع في اللغة المشهورة إلا المضمرَ على بابه، فتقول: لن ترى في الناسِ مِنْ رفيقٍ الفضلُ أَوْلَى به من الصدِّيق. فـ (الفضلُ) مبتدأ، (وأَوْلَى به) خبره، كما تقول: ما رأيتُ رجلاً زيدٌ أكرمُ منه إلا عَمْراً، فيكون رَفْعُ (أَفْعَل) هنا للظاهر مقتصراً به على اللغة الضعيفة.
وأيضاً فحيث يتأَتَّى الابتداءُ والخبر يتغيَّر المعنى عما كان عليه في رفع الظاهر.
فإذا قلت: ما رأيتُ رجلاً أبغضَ إليه الشرُّ منه إلى زيدٍ، تعرضتَ لنفي المزيَّة والمساواة معاً.
وإذا قلت: ما رأيت رجلاً الشرُّ أبغضُ إليه منه إلى زيدٍ، فإنَّما تعرضت لنفي المزيَّة، وأما المساواة فلم تتعرَّض لنَفْيها، وإذا اختلف معنى الكلامين لم يَقُم أحدهما مقَام الاخر، فكان رفع الظاهر هنا ضرورياً من جهة اللفظ، محتاجاً إليه في التخاطب من جهة المعنى. وبهذا عَلَّل المؤلف رفعَ الظاهرِ هنا. وقد تقدم.
_______________

الصفحة 601