كتاب شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية (اسم الجزء: 4)

والقيد الثالث أن يكون هذا كله بعد نَفْي، لقوله في المثال: لن تَرىَ في الناسِ من رفيقٍ، لأن المعنى المقصود إنَّما يحصل بذلك. وأيضاً فهو موضع السماع كما مَرَّ في الأمثلة.
فأمَّا لو قلتَ: رأيتُ في الناس صديقاً أبغضَ إليه الشرُّ منه إلى زيدٍ، لم يصح؛ إذ لا يُعاقبه الفعلُ هنا، فلا يصح أن يقال في معنى ذلك: رأيتُ صديقاً يُبْغض الشرَّ كزيدٍ، إذ ليس في ذلك المعنى. وقد تقدم أنه إنما رَفع الظاهرَ هنا لشبَهه باسم الفاعل، ومعاقبتِه إيَّاهُ من جهة المعنى.
ويجري مَجرى النفَّيْ ما في معناه، وذلك (الاستفهام، والنهيُ) نحو: هل رأيتَ في الناس من رفيقٍ أَوْلَى به الفضلُ من الصدِّيقِ؟ وكذلك: لا تَرَ في الناسِ من رفيقٍ أوْلَى به الفضلُ من الصدَّيق؛ لأن النهي نفيُ مطلوبٍ، والاستفهامُ يقع بمعنى النَّفي، (وكذلك تقع بعده (مِنْ) الاستغراقية نحو {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غيرُ اللهِ} (1).
وقد تقدم إجراؤه للاستفهام مَجرى النفي) (2) في مواضع، فكذلك يكون الحكم هنا مع القول بإعمال القياس.
واعلم أن قوله: ((فكثيراً ثَبَتَا)) ليس فيه ما يدل على أنه قياس، وكأنَّه- والله أعلم- قَصد ذلك، وإلاَّ فكان يمكنه أن يقول: فقِيَاساً ثَبَتَا، أو ما يُعطي ذلك المعنى، فالظاهر أنه تردَّد في الحكم بالقياس، وذلك أن السيرافي (3) عَلَّل رفع الظاهر بما يقتضي الاضطرارَ إلى ذلك، وأنه ضعيفُ على خلاف
_______________
(1) سورة فاطر/ آية 3.
(2) ما بين القوسين ساقط من (ت).
(3) السيرافي (جـ 2، ورقة 167 - ب).

الصفحة 602