كتاب شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية (اسم الجزء: 4)

معنى العاملين في التعيين (1)، لأنه يصح أن يعبر عنهما بفعل جامع، فتقول: فَعَلَ زيدٌ وبكرٌ العاقلان كذا وكذا، وكذلك إذا قلت: أنا أخوك، وهذا أبوك الفقيران، لأنك تعبِّر عنهما بأن تقول: نحن كذا وكذا. وقد أجاز هذا النحويون على الإتباع. فلو اختلف العاملان بحيث لا يجتمعان في معنى عاملٍ آخر لم يجز الإتباع كقولك: رأيت أخا زيدٍ، ومررت بعمروٍ العاقلين، فلا يجوز الإتباع، إذ لا تجتمع الباء والأخ في معنى عامل واحد.
ومن هنا منع سيبويه: مَنْ عبدُ الله، وهذا زيدٌ الرجلان الصالحانِ، رفعت أو نصبتَ، لأنك خلطتَ مَنْ تَعلم ومَنْ لا تَعلم، فجعلتهما بمنزلةٍ واحدة في النعت، وذلك متدافِع، وإنما الصفة عَلَمٌ فيمنْ عُلِم (2). ولأن المبتدأَيْن لا يمكن أن يعبَّر هنا عنهما بشيء واحد. وكذلك قولك: هذا رجلٌ، وفي الدار آخرُ كريمان، لا يجوز إتباعه لأن أحد العاملين الابتداءُ، والآخر المبتدأُ، ولا يجتمعان في لفظ واحد.
وكذلك: هذا فَرَسُ أَخَوَيِ ابْنَيْكَ العُقَلاء، لا يُتْبع، لأن عامل ((الأخوَيْن)) ((الفرسُ)) وعامل ((ابْنَيْكَ)) ((الأَخَوان)) ولا يجتمعان في عامل واحد. والصفة ايضاً داخلةً فيما دَخل فيه الموصوف، فيكون (العُقَلاء) من تمام الأَخَويْن، من حيث كان صفةً للابنَيْن، وغيرَ تمام لهما من حيث كان صفة للأخوين، وذلك متناقض.
والحاصل أن الاتحاد بالاعتبار الثاني هو أن يتفق العاملان في الاسمية والفِعْلية، وكذلك في الحَرْفية على ما قاله ابن الباذِش (3)، من أن قياس: مررتُ
_______________
(1) على حاشية الأصل ((في التعبير)).
(2) عبارة سيبويه في الكتاب (2/ 60) وهي ((واعلم أنه لا يجوز: مَن عبدُ الله وهذا زيدٌ الرجلين الصالحين، رفعتَ أو نصبتَ، لانك لا تُثْني إلا على من أثبتَّه وعلمتَه، ولا يجوز أن تخلط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة، وإنما الصفة عَلَمٌ فيمن قد علمتَه)).
(3) هو أبو الحسن علي بن أحمد بن خلف بن محمد الأنصاري الغرناطي ابن الباذِش. كان عالما بالعربية، متقنا لها، ومشاركا في غيرها. وصنف: شرح كتاب سيبويه، والمقتضب، وشرح اصول ابن السراج، وشرح الإيضاح، وشرح الجمل، وشرح الكافي للنحاس (ت 528 هـ). بغية الوعاة 2/ 142.

الصفحة 654