كتاب شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية (اسم الجزء: 4)

وإِنْ نُعوتُ كَثُرَتْ وقَدْ تَلَتْ
مُفْتَقِراً لذِكْرِهِنَّ أُتِبْعَتْ
واقْطَع أَوَ اتْبِعْ إنْ يَكُنْ مُعَيَّنَا
بَدُونِهَا أو بَعْضِها اقْطَعْ مُعْلِنَا
يريد أن النعوت إذا كَثرتُها أن تكون أكثر من واحد، وهو اصطلاح أهل العَدَد حيث يقولون في حَدِّ العَدَد: إنه الكثرةُ المؤلَّفة من الآحاد، ولا يريد الكثرةَ في اللغة (1)، بل معنى التعدُّد. وهذا، وإن كان خلافَ اصطلاح أهل العربية، متعيِّن في الموضع.
فلا يخلو أن يكون المنعوت، وهو الذي تَلَتْه النعوت، مفتَقراً لذكرها كلِّها أو غيرَ لشٍيء منها، أو مفتقِراً لبعضها دون بعض، فهذه ثلاثة أحوال:
فأَمَّا الحالُ الأولى، وهو أن يكون المنعوت مفتقِراً لذكرها كلِّها- ومعنى افتقارِه إليها أن تَتوقف معرفةُ المنعوت عليها، فلا تحصل معرفتُه في ظن المتكِّم إلا بها- فالذي نَصَّ عليه الناظم أنها تُتْبَع كلُّها، ولا تُقْطَع هي ولا شيءٌ منها، وذلك قوله: ((وقَدْ تَلَتْ .. مُفْتَقِراً لذِكْرِهَّن أُتْبِعَتُ)).
وإنما لزم إتباعُها لأن القطع يُقصد به تكثيرُ الجمل، والإطنابُ في مدح أو ذم أو ترحُّم، وذلك إنما يكون بعد معرفةِ المنعوت والاستغناءِ عن بيانه.
فأمَّا إذا كان القصد البيانَ، لأنه لم يُعَرَّف بعدُ، فلابد من البيان، لأن النعت حينئذ من تنام المنعوت، وكالجزء منه، أَلا ترى إلى قول سيبويه: زيدٌ الأحمرُ عند مَنْ لا يعرفهُ بعينه كزيدٍ وحدَه عند مَن يعرفه (2). فإذا كان من تمامه
_______________
(1) الكثرة في اللغة: نقيض القلة، ونماء العدد.
(2) الكتاب 1/ 88.

الصفحة 669