كتاب كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 4)

وفي حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- عند البخاري، ومسلم: أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطب بذلك في عرفات (١)، فيُحمل على التعدد (٢).
(قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) مجيبًا له: (لا يلبس) القميص بالإفراد.
وفي لفظ البخاري: (القُمُص) -بضم القاف والميم (٣) -: جمع قميص.
ويلبسُ -بالرفع- وهو الأشهر على الخبر عن حكم اللَّه؛ إذ هو جواب السؤال، أو خبر بمعنى النهي، و-بالجزم- على النهي، وكسرَ لالتقاء الساكنين.
فإن قيل: السؤالُ وقع عما يجوزُ لبسُه للمحرم، والجوابُ وقع عما لا يجوزُ، فما الحكمةُ فيه؟
أجيب: بأن الجواب بما لا يجوز لبسُه أَحْصَرُ وأَخْصَرُ مما يجوز، فذكرُه أولى؛ إذ هو قليل، ويفهم منه ما يباح، فتحصل المطابقة بين السؤال والجواب بالمفهوم.
وقيل: كان الأليقُ السؤالَ عن الذي لا يُباح؛ إذ الإباحةُ الأصلُ، ولذا أجابَ بذلك؛ تنبيهًا للسائل على الأليق.
ويسمى مثلُ ذلك: الأسلوبَ الحكيمَ؛ كقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} الآية [البقرة: ١٨٩].
فإنهم سألوا عن حكمة اختلاف القمر؛ حيث قالوا: ما بالُ الهلالِ يبدو دقيقًا، ثم يزيدُ، ثم ينقص؟
---------------
(١) سيأتي تخريجه في حديث الباب الآتي.
(٢) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (٣/ ١٠٩).
(٣) تقدم تخريجه برقم (١٤٦٨) عنده.

الصفحة 110