كتاب كشف اللثام شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 4)

رأيتُ ليلةَ القدر، (ثم أُنسيتُها) -بضم الهمزة-، أي: أنساه غيرُهُ إياها.
وفي لفظ: "نُسِّيتُها"-بضم النون وتشديد السين المهملة-، وهو الذي في اليونينية وغيرها، وفي بعضها -بالفتح والتخفيف-؛ أي: نسيها هو من غير واسطة، والشك من الراوي، والمراد: أنه أُنسي علم تعيينها في تلك السنة، لا رفع وجودها، خلافًا للرافضة؛ لأنه أمر بالتماسها (١).
قال القفال في "العدة" فيما حكاه الطبري: ليس معناه أنه رأى الليلة عيانًا، والأنوار عيانًا، ثم نسي أيَّ ليلة رأى ذلك؛ لأن مثل هذا قلَّ أَنْ يُنْسى، وإنما رأى أنه قيل له: ليلة القدر ليلة كذا وكذا، ثم نسي كيف قيل له (٢).
(وقد رَأَيْتُني) -بضم التاء-، أي: رأيت نفسي (أسجدُ في ماءٍ وطين من صَبيحتها) يحتمل أن تكون "من" بمعنى "في" كما في قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩]، أي في يوم الجمعة، أو هي لابتداء الغاية الزمانية (٣).
(فالتمسوها)؛ أي: ليلةَ القدر؛ يعني: اطلبوها، واقصدوها (في العشر الأواخر) من رمضان، (والتمسوها في كل وترٍ) منه.
قال أَبو سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-: (فمَطَرَتِ السماءُ) -بفتح الميم والطاء- (تلك الليلةَ)، يقال في الليلة الماضية: الليلة إلى أن تزول الشمس، فيقال حينئذ: البارحة (٤).
---------------
(١) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (٣/ ٤٣٢).
(٢) المرجع السابق، (٣/ ٤٤٠).
(٣) المرجع السابق، الموضع نفسه.
(٤) المرجع السابق، الموضع نفسه.

الصفحة 46