كتاب تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة (اسم الجزء: 4)
هو - واللَّه أعلم - مقابل قولهم: (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ) وجواب لهم يقول: الذين كذبوا شعيبًا هم الخاسرون لا الذين اتبعوه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا).
قيل: كأن لم يعيشوا فيها، ولم ينعموا قط.
وقيل: كأن لم يقيموا فيها.
قَالَ الْقُتَبِيُّ: يقال: غنينا بمكان كذا وكذا، أي: أقمنا، ويقال للمنازل: مغان، واحدها: مغنى، ويقال: كأن لم يغنوا فيها، أي: كأن لم يكونوا فيها قط.
وهو - واللَّه أعلم - لما كانوا يستقلون نعم اللَّه عليهم، ويستحقرونها، حتى قالوا: لبثنا يومًا أو بعض يوم، وقوله: (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ)، ونحوه، وكله إخبار عن قطع آثارهم أنه لم يبق منهم أحد يحزن عليهم أو يبكي عليهم، حتى قال شعيب: (فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ).
وجائز أن يكون قول شعيب حيث قال: (فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) حين علم أنهم يهلكون، وينزل بهم العذاب، أي: لا أحزن عليهم على ما ذكر.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو على التقديم والتأخير، قال ذلك في الوقت الذي قال: (وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ) ويقول: كيف أحزن على قوم وعملهم ما ذكر.
وقوله: (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ).
حين رآهم هلكى، فقال: فكيف آسى على قوم، أي: كيف أحزن على قوم قد كذبوني، واختاروا عداوتي، وصاروا علي أعداء، فكيف أحزن عليهم بالهلاك، وهم أعدائي.
وقوله: (يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ). قد ذكرنا هذا.
* * *