كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 4)

مشتق " كجلاس "، وليس شيئا قد غلب عليه عندهم التأنيث كسعاد، وزينب ولكنه مشتق يحمله المذكر، ولا ينصرف في المؤنث كهجر، وواسط.
ألا ترى أن العرب قد كفتك ذلك لما جعلوا واسطا للمذكر صرفوه، فلو علموا أنه شيء للمؤنث ك " عناق " لم يصرفوه، أو كان اسما غلب عليه التأنيث لم يصرفوه، ولكنه اسم " كغراب "، ينصرف في المذكر ولا ينصرف في المؤنث، فإذا سميت به الرجل فهو بمنزلة المكان.
قال أبو سعيد: قد قدمت أن الاسم المؤنث الذي إذا سمي به الرجل لم ينصرف مما ليس فيه علم التأنيث على ضربين؛ أحدهما: أن يكون اسما معروفا مؤنثا قبل التسمية ك (عناق) و (عقرب).
والآخر: أن يكون اسما اشتق لتسمية المؤنث المعرفة فقط، ولم يكن قبل ذلك اسما لشيء جاز أن يشتقوه للمذكر. فما اشتقوه للمذكر (قباء) و (حراء).
والدليل على أنه اشتق للمذكر أنهم قد يصرفونه، ولو كان للمؤنث لم يصرفوه بحال؛ لأنه على أكثر من ثلاثة أحرف.
فمن صرف (حراء) و (قباء) فلأنه اسم مذكر سمي به شيء مذكر، مكان، أو موضع أو ما أشبه ذلك من تقدير التذكير، فصار بمنزلة رجل يسمى ب (جعفر) أو (واقد) أو (نافع) وما أشبه ذلك.
ومن لم يصرف فإن الاسم مذكر والمسمى مؤنث كأنه اسم بقعة، فصار بمنزلة امرأة سميناها ب (نافع) أو (جعفر) فلا يصرف لتأنيث المسمى لا لأن اللفظ كان مؤنثا.
ومن أجل ذلك إذا سمينا رجل ب (قباء) أو (حراء) صرفناه؛ لأن اللفظ مذكر والمسمى به مذكر وإذا سمينا رجلا ب (لسان) على لغة من يقول: هي اللسان لم تصرفه؛ لأنها بمنزلة (عناق) وإن سمي ب (اللسان) على لغة من يقول: هو اللسان صرفه والتأنيث، والتذكير في اللسان- وإن لم يكن فيه علم التأنيث في اللفظ- بمنزلة شيء واحد يسمى بلفظين أحدهما فيه علم التأنيث والآخر لا علم فيه.
كقولهم: اللذاذ، واللذاذة ومعناهما واحد وأحد اللفظين مذكر والآخر مؤنث، فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى.

الصفحة 16