كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 4)
مجرى ما يتعدى، وإن كان لا يتعدى، كقولك: سخط يسخط وهو ساخط، وخشي يخشى وهو خاش، وكان الأصل سخط منه، كما تقول: غضب منه، وخشي منه، كما تقول: وجل منه، فجعلوا خشي وهو خاش كقولهم: رحم وهو راحم، ولا يقدر في رحم حرف من حروف الجر، ومعنى قول سيبويه: " فلم يجيئوا باللفظ كلفظ ما معناه كمعناه "، يريد، لم يقولوا: خش، كما قالوا: فرق ووجل.
وقوله: " ولكن جاءوا بالمصدر والاسم على ما بناء فعله كبناء فعله "
يعني بالمصدر الخشية، والاسم يعني الخاشي. فالخشية بمنزلة الرحمة في وزنها، والخاشي كالراحم في وزنه، وبناء خشي يخشى كبناء رحم يرحم، وهو ضده. وقد يحمل الضد في اللفظ على ما يضاده لتلبسهما بحيز واحد وإن كانا يتنافيان في ذلك الحّيز، كالألوان المتضادة والروائح والطعوم المتضادات.
قال سيبويه: " وجاءوا بضد ما ذكرنا على بنائه " قال: " وقالوا: أشر يأشر أشرا وهو أشر، وبطر يبطر بطرا وهو بطر، وفرح يفرح فرحا وهو فرح، وجذل يجذل جذلا وهو جذل " بمعنى فرح. " وقالوا: جذلان وجذل، كما قالوا: سكران وسكر، وكسلان وكسل، وقالوا: نشط ينشط وهو نشيط، كما قالوا: الحزين، وقالوا:
النشاط، كما قالوا: السقام، (وجعلوا السّقام) والسقيم كالجمال والجميل. وقالوا:
سهك يسهك سهكا وهو سهك، وقنم يقنم قنما وهو قنم، جعلوه كالداء لأنه عيب.
وقالوا: قنمة وسهكة ".
والقنمة الرائحة المنكرة، ويروى أن بعض الأعراب كان تؤخذ عنه العربية بالبصرة، وكان أهل العلم يتبعونه ليأخذوا ألفاظه، وكانت به لوثة وضعف في عقله وتقزز فصعد يوما على تل من السّماد، وبسط شيئا معه عليه، وجلس وهم حوله، فارتفعت رائحة منتنة، فتأفف من الرائحة وقال: ما هذه القنمة، والله لكأننا على حششة فقال له أبو الخطاب الأخفش: أنك منها على ثبج عظيم.
" وقالوا: عقرت عقرا، كما قالوا: سقمت سقما. وقالوا: عاقر، كما قالوا:
ماكث "
قال أبو سعيد: وليس الباب فيما كان على فعل يفعل أن يجئ على فاعل، فإذا جاء شيء منه على فاعل فهو محمول على غيره، وهو قليل، كقولهم: فره العبد يفره فهو فاره، وعقر فهو عاقر.
الصفحة 409
520