كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 4)

ومعنى ذلك أنه جعل فعّلته نقلا لأفعلت، والباب أن يكون نقلا لفعلت، كما يقال:
عرف وعرّفته، ونبل ونبّلته، وفرح وفرّحته.
قال: " وأما خطّأته فإنما أردت سمّيته مخطئا، كما أنك حيث قلت: فسّقته وزنّيته، أي سمّيته بالزّنى والفسق، كما يقال حيّيته، أي استقبلته بحياك الله، كقولك: سقّيته ورعّيته، أي قلت سقاك الله ورعاك الله ".
فالباب فيما نسبته إلى الشيء أن يكون على فعّلت، كقولك: لحّنته وخطّأته، وصوّبته وجهّلته، ومثله ما يدعي به له أو عليه، كقولك:
" جدّعته وعقّرته، أي قلت له: جدعك الله وعقرك، وأفّفت به، أي قلت له:
أفّ. وقالوا: أسقيته في معنى سقّيته، تعني به الدعاء له. فدخلت أفعلت على فعّلت، كما تدخل فعّلت عليها.
يريد أن الباب في نقل الفعل وتغييره أفعلت، وقد استعملوا فيه فعّلت، كفرّجت وفزّعت، والباب في الدعاء والتسمية فعّلت، وقد أدخلوا عليه أفعلت، فقالوا: سقّيته في معنى دعوت له بالسّقيا. قال ذو الرمة:
وقفت على ربع لميّة ناقتي … فما زلت أبكي حوله وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد ممّا أبثّه … تكلّمني أحجاره وملاعبه (¬1) "
قال سيبويه: " ويجيء أفعلته على أن تعرضه لأمر وذلك أقتلته، أي عرّضته للقتل، ويجيء مثل قبرته وأقبرته، فقبرته دفنته، وأقبرته جعلت له قبرا. ويقال: سقيته فشرب، وأسقيته جعلت له ماء وسقيا.
قال الخليل: سقيته مثل كسوته، وأسقيته مثل ألبسته.
هذا الصحيح؛ لأن في بعض النسخ سقيته مثل كسوته، وأسقيه مثل ألبسته والصواب هذا والأول؛ لأن كسوته معناه جعلت له كسوة وإن لم يلبسها، وألبسته إذا جعلته لابسا، فألبسته مثل سقيته، وكسوته مثل أسقيته على ما ذكر من الفرق بين سقيته وأسقيته، وبعض أهل اللغة ذكر أنه لا فرق بينهما، وأنشد للبيد:
سقى قومي بني مجد وأسقى … نميرا والقبائل من هلال (¬2)
¬__________
(¬1) البيت في ديوانه ص: 38، والنوادر ص: 213، والمخصص: 12/ 11، والدرر اللوامع: 1/ 109.
(¬2) انظر المخصص: 14/ 169.

الصفحة 438