كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 4)

الدّعاء إلى الطعام، وقد كسروا المصدر كما كسروا في يفعل، فقالوا: أتيتك عند مطلع الشمس، أي عند طلوع الشمس، وهذه لغة بني تميم. وأما أهل الحجاز فيفتحون، وقد كسروا الأماكن أيضا في هذا، كأنهم أدخلوا الكسر أيضا كما أدخلوا الفتح "
قال أبو سعيد: اعلم أن مذهب العرب في الأماكن والأزمنة كأنهم يبنونها على لفظ المستقبل، فقالوا فيما كان المستقبل منه يفعل: المفعل للمكان والزمان، كقولهم: المحبس والمجلس والمضرب. وقالوا فيما كان المستقبل منه يفعل: الملبس والمشرب والمذهب، وكان يلزم على هذا أن يقال فيما كان المستقبل منه يفعل مفعل، فيقال في المكان من قتل يقتل: المقتل، ومن قعد يقعد: مقعد، غير أنهم عدلوا عن هذا؛ لأنه ليس في الكلام مفعل إلا بالهاء، كقولك: مكرمة وميسرة ومقبرة ومسربة، فعدلوا إلى أحد اللفظين الآخرين، وهما مفعل أو مفعل، فاختاروا مفعل حرفا؛ لأن الفتح أخف، وقد جاءت عن العرب أحد عشر حرفا على مفعل مما فعله على فعل يفعل، وهي منسك ومحزر ومنبت ومطلع ومشرق ومغرب، ومفرق ومسقط ومسكن ومرفق ومسجد، كأنهم حملوا يفعل
على يفعل؛ لأنهما أخوان.
وقد ذكر بعض الكوفيين أنه قد جاء مفعل، وأنشد في ذلك:
ليوم روع أو فعال مكرم (¬1)
وأنشد أيضا:
بثين الزمي لا، إنّ لا إن لزمته … على كثرة الواشين أيّ معون (¬2)
فقال بعضهم: معون في معنى معونة، وأصله معون، وقال بعضهم: معون جمع معونة، وليس في شيء من ذلك ما يمنع ما قاله سيبويه؛ لأن أصل الكلام مكرمة ومعونة وإنما اضطر الشاعر إلى حذف الهاء، والنية الهاء، ومثل هذا كثير في الشعر، كقوله:
أما تريني اليوم أمّ حمز
يريد حمزة، وقول الآخر:
أمال بن حنظل
يريد حنظلة.
قال سيبويه: " وأما المسجد فإنه اسم للبيت، ولست تريد به موضع السجود
¬__________
(¬1) منسوب لأبي الأخزر الحماني (راجز إسلامي) في شرح شواهد الشافية 68، واللسان (كرم).
(¬2) البيت في ديوانه ص: 212.

الصفحة 465