كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 4)

غاية دونه كما أنك إذا قلت ما أفعله فأنت تريد أن ترفعه عن الغاية الدنيا، والمعنى في أفعل به وما أفعله واحد، وكذلك أفعل منه "
وقد ذكرنا فيما تقدم أن التعجب يشترك فيه أربعة أشياء على لفظ، فما جاز في واحد منها جاز في الباقي، وذلك أنها مشتركة في رفع الشيء عن منزلة إلى ما فوقها، وهو قولك: ما أفعله وأفعل به وهو أفعل منه وأفعل الناس.
تقول: " ما أظرف زيدا " و " أظرف بزيد "، " وزيد أظرف من عمرو "، " وزيد أظرف الناس "، ولا يجوز أن تقول: " ما أبيض زيدا ولا أبيض بزيد "، " ولا هو أبيض من عمرو ولا أبيض الناس "، فما جاز في واحد منها جاز في الباقي، وما لم يجز فيه لم يجز في الباقي وإنما اشتركت في البناء لاشتراكها في المعنى، لأن التعجب والتفضيل إنما هو رفع الشيء عن منزلة ما دونه. فأما ما أفعل زيدا وأفعل به ففعلان، وأما هو أفعل الناس وهو أفعل منه فاسمان.
قال: " وإنما دعاهم إلى ذلك أن هذا البناء داخل على الفعل، ألا ترى قلّته في الأسماء وكثرته في الصفة لمضارعتها الفعل، فلما كان مضارعا للفعل موافقا له في البناء كره فيه ما لا يكون في فعله "
يريد: إنما دعاهم إلى أن لا يقولوا: " أفعل منه فيما لا يقولون فيه ما أفعله أن أفعله فعل، فإذا كان يمتنع في الفعل فهو في الاسم أشد امتناعا؛ لأن أصل هذا البناء للفعل، ومما يدل على أن أصله للفعل أن كل فعل مستقبله على " يفعل " فهو للمتكلم على أفعل مثل " أذهب " و " أصنع "، وإنما لم يجز " ما أحمره " و " لا ما أبيضه " لعلتين:
إحداهما أن الخليل قال هذه خلق يخلق عليها الإنسان في لونه كما تخلق أعضاؤه كاليد والرجل، فكما لا يقال ما (أيداه) ولا ما (أرجله)، فكذلك لا يقال ما أبيضه ولا ما أحمره وإنما يقال ما أشدّ بياضه وما أشدّ حمرته، والعلة
الثنية أن فعل هذه الأشياء على أكثر من ثلاثة أحرف وإنما تدخل الهمزة زائدة في أول الفعل الثلاثي تنقل الفعل عن فاعله إلى فاعل آخر كقولك: " علم زيد " و " أعلم عمرو زيدا "، وكذلك " دخل زيد " و " أدخل عمرو زيدا "، وكذلك " حسن زيد " و " أحسن عمرو زيدا "، أي صيّره حسنا. قال:
" ولا تكون هذه الأشياء في مفعال ولا فعول، كما تقول: ضروب ورجل محسان، لأن هذا في معنى ما أحسنه، وإنما تريد أن تبالغ ولا تريد أن تجعله بمنزلة كل من وقع عليه ضارب وحسن. "

الصفحة 472