كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 4)

" وتقول: ما أحظاها عندي، أي حظيت عندي، فكأن ما أمقته وما أشهاها على " فعل " وإن لم يستعمل، كما تقول: ما أبغضه إليّ على بغض إليّ فيجيء على " فعل " و " فعل " وإن لم يستعمل كأشياء فبما مضى وأشياء ستراها ".
قال أبو سعيد: اعلم أن سيبويه قد ذكر التعجب من المفعول في هذا الباب في أشياء تتكلم بها العرب، والأصل أن المفعول لا يتعجّب منه لعلتين: إحداهما أن دخول الهمزة لنقل الفعل إنما تدخل على الفاعل كقولك: " لبس زيد وألبسه عمرو "، و " دخل زيد وأدخله غيره "، وقعد وأقعده غيره، ولو قلت " ضرب زيد " لم تدخل عليه الهمزة لنقل الفعل، وباب التعجب باب نقل فيه الفعل عن فاعله إلى فاعل آخر، والوجه الآخر أنه لو تعجب من المفعول لوقي اللبس بينه وبين الفاعل،
فقال سيبويه: ما تعجب منه من المفعول كأنه يقدّر له فعل فإذا قال: " ما أبغضه إليّ " فكأن فعله " بغض "، وإذا قال: " ما أمقته عندي " فكأنه قال " مقت "، وإذا قال: " ما أشهاه إليّ " كأنه قال " شهي " وإن لم يستعمل، ويكون معنى شهى في هذا التقدير، أي دعا إلى أن يشتهى بالأحوال التي تظهر فيه، ويفرق بين الفاعل والمفعول في ذلك أنه يدخل مع الفعل حرف ومع المفعول حرف آخر، فمن ذلك اللام التي تدخل مع الفاعل، تقول: " ما أبغضني لزيد وما أمقتني له "، وأنت المبغض والماقت، وتقول للمفعول: " ما أبغضه إليّ وما أمقته عندي ". ومثله هو " أكرم لي منك للفاعل "، أي يكرمني أكثر من إكرامك، وهو أكرم علي منك بمعنيين، وما آنسك لي وما آنسك بي بمعنيين مختلفين. ومما لم يأت في هذا الباب " ما أجنّ زيدا " من الجنون وهو أجنّ من غيره، وإنما الفعل المستعمل منه " جنّ "، وكذلك ما أشغله وهو أشغل من غيره وهو أعذر من غيره وألوم من غيره وأعنى بالشيء من غيره، وأعرف منه وأنكر منه.
والفعل من ذلك كله يستعمل على ما لم يسمّ فاعله، كقولك " شغل وعذر وليم وعني وأنكر "، ولكنه يقدّر له فعل ينظّم به التعجب. وقد قال سيبويه في أول الكتاب:
(وهم ببيانه) أعني على هذا الذي ذكرناه. وتقول: " ما أعجبني به وأعجبه إليّ "، " وأسرني به وأسّره إليّ ". وقولهم: " ما أبغضني له " يقوّي قول من يرى التعجب من أفعل، لأن الفعل منه " أبغض " " يبغض "، وروي ابن الإعرابي عن العرب عنيت به فأنا معني به، وعنيت به فأنا به عن، فإذا حمل قول سيبويه: (وهم ببيانه)، أعني على هذه اللغة، فهو على القياس المطرد.

الصفحة 475