كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 4)

بنوه على حركة.
وإذا أردت " قطّ " المشددة، التي هي لما مضي من الدهر كانت مبنية على الضم، لاجتماع الساكنين، ومشبهة بمنذ؛ لأنها في معنى منذ، فإذا قلت ما رأيته قط، فكأنك قلت ما رأيته منذ كنت.
وقولهم " لد " بضم الدال محذوفة من " لدن " والضمة تلك الضمة، والدليل على ذلك أنك إذا أضفت " لدن " إلى مني رددت النون؛ لأن الإضافة قد ترد الأشياء الذاهبة، فتقول:
هذا من لدنك ولا تقول: من لدك، كما تقول: من لد زيد.
قال: وسألت الخليل عن " معكم "، " ومع " لأي شيء نسبتها ولم لم تبن على السكون؟ فقال: لأنها استعملت غير علم كجميع ووقت نكرة، وذلك قولك: جاءا معا ولا تضاف " مع " في هذا الموضع، فلما أعرب معا للموضع المنكور المفرد وجب تحريكه في الإضافة.
قال أبو سعيد: وإنما وجب إفراده في هذا الموضع؛ لأنّا إذا أضفنا، فقلنا: ذهب زيد مع عمرو فقد ذكرنا اجتماعه مع عمرو وأضفنا " مع " إلى غير الأول، وإذا قلنا: ذهبا معا، فليس في الكلام غيرهما تضيف " مع " إليه ولا يجوز أن تضيف " مع " إليهما. كما تقول:
ذهب زيد مع نفسه، ونصب " معا " على الحال في قولك ذهبا معا، كأنك قلت: ذهبا مجتمعين، ويجوز أن يكون على
الظرف كأنه قال: ذهبا في وقت اجتماعهما.
وقد يسكن في الشعر يشبه ب " لدن " وب " هل " وما أشبه ذلك من المسكنات.
قال الشاعر:
وريشي منكم وهواي معكم … وإن كانت زيارتكم لماما (¬1)
قال: وأما " منذ " فضمّت، لأنها للغاية، ومع ذا أن من كلامهم أن يتبعوا الضم الضم كما قالوا: ردّ يا فتى.
قال أبو سعيد: إن سأل سائل لم سمّى سيبويه " منذ " غاية؟ وقد فسر أبو العباس المبرد الغاية في قبل وبعد، أنها لما حذف المضاف إليه، وقد كان غاية الاسم واقتصروا على المضاف صار هو المنتهى والغاية.
¬__________
(¬1) البيت لجرير في ديوانه 506، وابن يعيش 5/ 138، وشرح الأشموني 2/ 265.

الصفحة 55