كتاب شرح كتاب سيبويه (اسم الجزء: 4)

قال أبو سعيد: اعلم أن سبأ مهموز في الأصل كما قال عز وجل: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ (¬1) وكانوا باليمن فخافوا سيلا يهلكهم فتفرقوا في البلاد وتباعدوا، فضرب المثل بهم للمتفرقين. ويقال: تفرق القوم أيادي سبا وأيدي سبا، والأيدي عبارة عنهم، كأنه قال: تفرقوا أولاد سبا؛ أي تفرّق أولاد سبا، فمنهم من جعلهما اسمين كاسم واحد، فبناهما وجعلهما في موضع الحال، فصار بمنزلة قولك هو جاري بيت بيت، كأنه قال: وجاري ملاصقا. وإذا قال ذهبوا أيادي سبا؛ فمعناه ذهبوا متفرقين. ويجوز أن تضيف فتنون (سبا) لأن سبأ يصرف ولا يصرف، غير أنهم أجمعوا على ترك الهمز فيه من هذا المثل.
وقالي قلا بمنزلة حضر موت، ولم تسمع فيه الإضافة، والقياس لا يمنع منها، وقد أنشد:
سيصبح فوقي أقتم الريش واقعا … بقالي قلا أو من وراء دبيل (¬2)
وأما بادي بدا فهو في موضع الحال كقولك بيت بيت.
وقد أنشد قول أبي نخيلة:
وقد علتنى ذرأة بادي بدي … ورثية تنهض في تشدّدي (¬3)
يقال بادي بدا وبادي بدي ومعناه فيما ذكر ظاهر الظهور من قولك: بدا يبدو إذا ظهر.
قال: " ومثل أيادي سبا وبادي بدا (شفر بفر) ولا بد من أن تحرّك آخره، كما ألزموا التحريك الهاء في ذيّة ونحوها لشبه الهاء بالشيء الذي ضم إلى شيء "
قال أبو سعيد: بمعنى أن شفر بفر، وإن كان مثل أيادي سبا وبادي بدا في أنهما جعلا كاسم واحد، فإن آخر الأول منهما مفتوح، وأيادي سبا وما جرى مجراه مما يكون في آخر الاسم الأول منهما ياء تكون الياء ساكنة، وإنما سكنت لأن الياء أثقل من
¬__________
(¬1) سورة سبأ، من الآية 15.
(¬2) البيت بلا نسبة في الكتاب 3/ 305، والمقتضب 4/ 24، واللسان (قلى)
(¬3) البيتان من مشطور الرجز، وهما في الكتاب 3/ 304، والمقتضب 4/ 27، والخصائص 2/ 364، واللسان (ذرأ).

الصفحة 70