كتاب قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان (اسم الجزء: 4)

وسمع أبا القاسم هبة الله بن مسعود البوصيري، وأبا الثناء حماد بن الفضل الحرّاني بالديار المصرية.
وله كتاب "سفر /12 أ/ السعادة وسفير الإرادة" وكتاب "ذات الحلل ومهاة الكلل" فيما اتفق لفظه واختلف معناه، وهو قصيدة نظمها في ذلك. أجازني جميع ما رواه ووصفه، وما أنشأه وألفه.
وأنشدني لنفسه: -] من البسيط [
قد كنت منكم على بالٍ فأين مضى ... عنِّي ترفُّقكم بي يا موالينا
حاشاكم وجميل الصَّفح عادتكم ... أن تنقضوا بالجفا عاداتكم فينا
وحين دخلت دمشق المحروسة قافلًا من مدينة السلام في شهر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وستمائة. سألت عن الشيخ أبي الحسن هذا، فقيل لي، إنه حيّ يرزق يفيد الناس، ويغشى مجلسه المستفيدون وأهل الفضل والأدب، وأوقاته مستغرقة بالمشتغلين والطلبة، ويزدحمون عليه، ولم يتفرغ البتة إلّا في داره، فقصدت منزله وهو بسفح جبل قاسيون ومعي قصيدة من عمله في النبي -صلى الله عليه وسلم- ومقطوعة أخرى من إنشائه، فدخلت إليه في مسجده بعد عشاء المغرب، وهو قائم يصلي، فلما فرغ من الصلاة نهضت فسلمت عليه وقبلت يده، فوجدته شيخًا كبير السن قد نيّف على الثمانين مطيلسًا قصيرًا /12 ب/ على زيّ أهل تلك البلاد المصرية، فلم يكن في الوقت سعة للاجتماع به، فألفيته في الطريق راكب حمار، قاصد المسجد الجامع، فسلمت عليه ودعوت الله فردّ عليَّ وبين يديه تلميذان له يقرآن عليه شيئًا من القرآن الكريم، فحين أنهى ذلك التلميذ قراءته أشار عليّ بالقراءة، وابتدأت فقرأت تلك القصيدة المقطوعة في جادة الطريق.
ووجدته ذا فهم ثاقب، وذهن حاضر، وحسٍ جيد وقت القراءة عليه، لم يسأم ولا يأخذه ضجر في ذلك، والقصيدة التي له في مدح المصطفى سمّاها: "ذات السعا" وهي:
] من الكامل [
قف يالمدينة زائرًا ومسلِّمًا ... واشكر صنيع الدَّمع فيها إن همى
فهي المنازل لم تزل تشتاقها ... أبدًا وكنت بها المعنَّى المغرما

الصفحة 23