كتاب إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس (اسم الجزء: 4)

ثم كان ذا نظر ثاقب في الأمور، ومعرفة واسعة بأحوال شعب يتقلب في مجالات ممتدة من الاضطراب وفقدان الثقافة وجمع الكلمة أن يحالف في الأغلب الأكثر من وقائع الدولة وشئون الأمة، ولكن الوقت القليل كان لا ينقضى أحيانا إلا والأمر قد تجدد، والشر قد عاد وبوادر الفتنة قد أمست تجهر بأعلى صوت مولية وجهها نحو مقر لم تغادره إلا من أمد قريب، فما ظنك بمن يئول إليه أمر هذه المسئولية كُلا، ومن يخاطب عن هذه الوقائع طُرّا، فهل كان يجد له من غالبها مخرجا إلا ضربا بشدة، وقمعا بجميع ما أوتيه من صرامة ممكنة؟
لعل مراجع التاريخ المغربى والمتصفح بدقة وإمعان لا شأن للقصور أو الغرض فيه، يرى من ضرورة هذه الأحوال وقضاء الظروف بها ما يخفف من غلواء النقد ويبيض صحيفة من حسن القصد في تاريخ ملكنا المترجم، مهما أملت علينا ترجمته من وقائع كلها محزن، وحوادث كلها أليم.
ثم هنالك ما لا يسع التاريخ إهماله أو غض النظر عنه من بحث لأحوال حاشية السلطان ونظر لبطانة الملك، فهل كانت هذه البطانة أو الوزارة التي لا غنى عن صلاحها وإصلاحها موفية بالغرض من وجودها في جوار صاحب الترجمة وإعانته على خدمة أغراض الدولة ومهام الأمة؟
كلّا وألف مرة كلا فقد مر بك متكررا معادا ما كان يحاول من انتقاء المساعد والمعين ومبالغة في اجتناب من لا خير ولا صلاح للرعية فيه وفى ولايته، ثم ما كان يلاقى منهم من جفاء في الطبع ولؤم في العشرة وكفران للنعمة، وجحد للواجب وتصرف شائن خائن، كله أغراض ومطامع ذاتية لا شأن للشرف والذمة وصدق الخدمة فيها.
ومتى بربك تصلح حال أُمة أو تصلح أحوال ملك وحاشيته وأعوانه ومعينوه على تدبير الأمور كلهم عابث متمرد أو حقود مستبد أو متصرف لنفسه وغاياته،

الصفحة 540