كتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول (ص) (اسم الجزء: 4)
إذا قام ذلك المقام.. بكى، فلا يستطيع، فلو أمرت غيره.
قال: ثمّ أغمي عليه، فأفاق، فقال: «مروا بلالا فليؤذّن، ومروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس، فإنّكنّ صواحب- أو صواحبات- يوسف» ؛ أي: مثلهنّ في إظهار خلاف ما يبطنّ.
ولا يطيق أن يشاهد محلّ المصطفى صلى الله عليه وسلم خاليا منه، فلا يتمكّن من الإمامة، والقراءة، وهذا معنى قولها:
(إذا قام ذلك المقام) الّذي هو مقام الإمامة (بكى) ؛ حزنا عليك (فلا يستطيع) ؛ أي: لا يقدر على الصّلاة بالنّاس، لغلبة البكاء عليه (فلو أمرت غيره؟!) لكان حسنا فجواب «لو» محذوف إن كانت شرطية، ويحتمل أنّها للتمنّي فلا جواب لها.
(قال) ؛ أي: سالم بن عبيد (: ثمّ أغمي عليه، فأفاق، فقال: «مروا بلالا فليؤذّن، ومروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس، فإنّكنّ صواحب) - جمع صاحبة- (أو صواحبات) جمع صواحب؛ فهو جمع الجمع- (يوسف؛ أي: مثلهنّ في إظهار خلاف ما يبطنّ) - بتشديد النون- حتّى يصلن إلى أغراضهنّ، فالخطاب؛ وإن كان بلفظ الجمع لكنّ المراد به واحدة؛ وهي عائشة، وكذلك الجمع في قوله «صواحب» المراد به: امرأة العزيز، فهو من قبيل التّشبيه البليغ. ووجه الشّبه:
أنّ زليخا استدعت النّسوة، وأظهرت لهنّ الإكرام بالضّيافة؛ وأضمرت زيادة على ذلك، وهي: أن ينظرن إلى حسن يوسف عليه الصّلاة والسّلام فيعذرنها في حبّه.
وعائشة رضي الله تعالى عنها أظهرت أنّ سبب محبّتها صرف الإمامة عن أبيها، أنّه رجل أسيف، وأنه لا يستطيع ذلك، وأضمرت زيادة على ذلك هي ألايتشاءم النّاس به. فقد روى البخاريّ عنها: لقد راجعته، وما حملني على كثرة المراجعة إلّا أنّه لم يقع في قلبي أن يحبّ النّاس رجلا قام مقامه أبدا، وأنّه لن يقوم أحد مقامه إلّا تشاءم النّاس به.